أفوت عليكِ بعد نص الليل!

TT

قبل أن أبدأ، أهنئكم بعيد الفطر المبارك.

ذهبت لزيارة رجل فتح الله عليه من أبواب الرزق والعلم والأدب الشيء الكثير، أقول هذا وأنا أعني ما أقول؛ فهو حقا قد أمسك بالمجد من أطرافه. وإن قلت عنه غني فهو ما شاء الله من أغنى الأغنياء، وإن قلت عنه عالم فتذهل من علمه وثقافته، وإن قلت عنه إنه ذو أخلاق حميدة فتنكسف على نفسك وتخجل منها مما هي عليه من قلة أدب يعاقب عليها القانون!

وعندما استأذنت منه للانصراف، أصر مشكورا على أن أتناول العشاء معه، فقبلت سريعا دعوته على الرحب والسعة، وأنا غير مصدّق!

تناولنا الطعام من كل ما لذ وطاب إلى درجة أنني بعد ذلك خطر على بالي أن أستلقي على أريكة لينة ممدودة، غير أنني تفاجأت به يقول لي: هيا بنا نسير ونمشي في هذا الليل والطقس الجميل لكي (نهضم)!

فأجبته لا شعوريا قائلا: نعم!.. حرام عليك يا شيخ!.. تريدنا أن نهضم ما أكلناه من هذا الطعام الغالي واللذيذ؟!.. لا، آسف فإنني لا أريد أن أهضمه، أريد أن أحتفظ به أطول وقت ممكن، لو سمحت.

ضحك من كلامي وسحبني من يدي، فانصعت له مرغما، وطوال سيرنا الممل كان يتأمل في السماء والنجوم ويتحدث وهو يشير إليّ قائلا: انظر إلى هذه المجموعة من النجوم إنهم يسمونها (الفرس الأعظم). واستطرد قائلا: هل تعلم أن هذه المجرة اللولبية الضخمة التي تحوي أرضنا يطلقون عليها اسم (درب التبانة)، وهي واحدة من مائة مليون مجرة أخرى، وأقرب واحدة منها تبعد عنا بمليون ونصف المليون سنة ضوئية، وهي تتكون من مائة ألف مليون شمس، أصغرها أكبر من شمسنا بمليون مرة؟!

المهم أنه تكلم كثيرا، ومشينا كثيرا، وأنا خلال ذلك كله لم أنبس ببنت شفة، وكل تفكيري كان منصبا على ما في داخل بطني من الخيرات، وبعد أن تأكد هو أننا (هضمنا) قال لي: هيا نرجع. وعند رجوعنا قلت له: الآن فقط أدركت أننا بالفعل صغار. ورجعت بعدها إلى بيتي وبطني لاصقا في ظهري، (وكأننا يابو زيد ما غزينا)، وما أكلنا!

* *

أهداني أحدهم تسجيلات لأغان قديمة يريد أن يشنف بها أذني، ولفت نظري منها أغنية للمطرب فريد الأطرش يقول فيها لمحبوبته: أفوت عليكِ بعد نصف الليل.

أوقفت جهاز التسجيل وأخذت أتساءل: لماذا يفوت عليها يا ترى في ذلك الوقت بالذات؟! فاليوم فيه 24 ساعة، ألم يجد وقتا ملائما أفضل من (نص الليل)؟! يعني (حبكت)؟!

لو أنني كنت في مكانه لقلت لها: أفوت عليكِ في عز (القايلة) - وإيش ما يكون يكون!

[email protected]