لا بد من سورية.. وعاجلا

TT

حين قام الرئيس الراحل أنور السادات، بزيارة إسرائيل وإبرام اتفاقية صلح منفرد معها، قيل في حينه إن خطوة السادات هذه إن لم تحقق سلاما شاملا ومستقرا ونهائيا فهي وضعت حدا نهائيا للحروب في المنطقة، إذ لا حرب دون مصر.

ومن خلال رصد موضوعي لنتائج مبادرة السادات وقد مر عليها عقود، فإننا نجد أن السلام الشامل لم يتحقق، وأن الحروب لم تتوقف.. وحتى مصر ذاتها صاحبة المبادرة والريادة في أمر السلام، تعيش الآن مرحلة سلام بارد مع إسرائيل، ناهيك عن إدراك مصر لخطورة الوضع في المنطقة كلها، واحتمالات نشوب حروب مدمرة فيها.

والآن.. تقود الولايات المتحدة الأميركية، محاولة جديدة لإنقاذ مشروع السلام الشرق أوسطي، وواضح من كل التصريحات الصادرة عن الصف الأول في قيادة الدولة العظمى، أن هذه المحاولة تتصل برؤية أميركية أشمل لأزمات الشرق الأوسط. وهي جميعا أزمات أميركية، وأنها تراهن على إغلاق ملف الصراع العربي - الإسرائيلي، كمصلحة أميركية استراتيجية تساعدها على تجاوز الأزمات المتداخلة.. بدءا بالصراع الإيراني حتى باكستان وأفغانستان وما بينهما..

وإذا كانت أميركا تفكر فعلا على هذا النحو، ولم لا تفكر، فإن ما نخطط له لا يستقيم بأي حال دون دخول قوى أساسية إلى اللعبة، وأولها على نحو مباشر سورية.. وأهمها على الصعيد العربي والإسلامي المملكة العربية السعودية.. وهنا يجدر بنا الحديث عن اعتبارات كل طرف على حدة، وأبدأ بالمملكة.

لقد دعمت المملكة، وبشكل فعال، الاتجاهات العقلانية والواقعية في التعامل مع التحرك السياسي الدولي الذي تم منذ عام 67 وحتى أيامنا هذه، وهي ليست بعيدة عن الفصل الراهن من فصول التحرك السياسي الأميركي الذي أفضى إلى بدء المفاوضات المباشرة من جديد بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، إلا أن المملكة واضعة المبادرة العربية للسلام، لم تكن جالسة على مائدة الإفطار السياسي في البيت الأبيض، ليس عزوفا عن المشاركة في فاعلية سياسية من العيار الثقيل، وإنما لأنها ترى أن حضورها المباشر لا يستقيم إلا بحضور سورية ولبنان.. ذلك أن المبادرة السعودية التي أصبح اسمها المبادرة العربية وضعت أساسا سياسيا للأدوار.. فإن تحقق السيناريو منطلقا من هذه المبادرة، فالمملكة أول من يتصدر، وإن لم يتحقق فلا لزوم لوجاهة محفوفة نتائجها بالخطر والاحتمالات الأقوى للفشل..

وهنا يتعين على الولايات المتحدة، التي تقوم ولأول مرة بتدخل مباشر يتجاوز دور الوسيط التقليدي ويعرِّف تدخله على أنه جزء من رعاية المصالح الاستراتيجية المباشرة للدولة العظمى، يتعين عليها أن تسارع إلى فتح الملف السوري.. بما يتطلبه ذلك، من عزل السياسة الأميركية عن المناورات الإسرائيلية النمطية في هذا الشأن، حيث المسار السوري يصبح خيارا مفضلا حين لا بد من إخافة الفلسطينيين والضغط عليهم، ويصبح مؤجلا أو مكبلا بالشروط التعجيزية وفق المناورات الإسرائيلية الداخلية.. وألعاب القوى الأساسية المتصارعة على السلطة في إسرائيل.

سورية طالبت بصراحة ودون وجل، بأن يجري استعمال السيناريو الراهن بين الفلسطينيين والإسرائيليين معها.. فهي تريد مفاوضات مباشرة مع إسرائيل وتريد للولايات المتحدة أن تكون جالسة على رأس الطاولة.. فما رأيناه بالأمس القريب من طقوس افتتاحية المفاوضات.. يصلح أن يطبق حرفيا مع سورية.

وبوسعنا ونحن في هذا الصدد أن نذكر بأن الملف السوري، وموضوعيا معه اللبناني، ليس بذات القدر من الصعوبة التي تميز بها الملف الفلسطيني - الإسرائيلي. وحتى لو نظر إلى الأمر من زاوية أدبيات المحاولات السلمية على المسارين السوري والفلسطيني، فإننا نرى أن ما تم إحرازه في الاتصالات السابقة ومن ضمنه وديعة رابين، يحمل مزايا تصلح للإفادة منها لبلوغ حلول جدية. وهذا يختلف كثيرا عن قضايا الملف الفلسطيني التي تبدو كل واحدة منها أكثر صعوبة من الملف السوري..

إن أهمية الإسراع في فتح الملف السوري لا تكمن فقط في حتمية احتواء القدرة السورية على التأثير السلبي في أمر المسار الفلسطيني - الإسرائيلي وإنما في أمر أكثر إيجابية من هذا، حيث إن سورية، بما تمثل وهي داخل حدودها، تجعل من أمر تجاوزها أو تأجيل فتح ملفها بمثابة تفريغ لمصداقية العلاقة بين الحل على المسار الفلسطيني وإنهاء الأزمات الأميركية الأخرى في المنطقة. لأن سورية موجودة على الخريطة وأينما نظر الأميركيون فسوف يرونها من العراق لإيران ثم تركيا وفلسطين ولبنان..

إن أخبارا كثيرة ترددت عن خطوط أميركية - سورية نشطة تجري في السر أو في العلن.. إلا أن تجربة الانتكاسات المريرة منذ مبادرة السادات حتى أيامنا هذه، أظهرت كم أن عامل الوقت ضروري وحاسم في إنجاح مبادرة أو إفشالها. وعندنا وبشكل بديهي فإن استثناء سورية أو تأجيلها في سياق ترتيبات إقليمية يراد للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية أن تكون مفتاحها.. لن يفضي إلا إلى وضع أي تقدم يمكن بلوغه في مهب الريح، فإذا ما رغبت الولايات المتحدة حقا أن تهدئ اللعب على مستوى المنطقة، فلندرك أن مشكلتها الأساسية ليست مع حلفائها المحسومين.. خصوصا أولئك الذين جلسوا على مائدة الإفطار السياسي في واشنطن وإنما مع أولئك الذين لا يزالون بعيدا عن الطاولة.