ختام العسكر في تركيا؟

TT

أقام كمال أتاتورك دولة علمانية اعتمدت في استمرارها على دور العسكريين. وكانت القوات المسلحة مؤلفة على الدوام من ضباط يمثلون النخب التركية وكبار العائلات. وإلى زمن بدا من الطبيعي وصول الضباط إلى رئاسة الجمهورية، فقد اختلطت الحياة المدنية بالعسكرية حتى لم تعد الناس تلاحظ الفرق. وتكرست قوة العسكر في دستور 1982، من خلال «مجلس الأمن الوطني» الذي يراقب سلوك الهيئات السياسية، وتصرف الحكومة حيال «الأمن القومي». وأعطي رئيس الأركان صلاحيات تفوق صلاحيات جميع الوزراء إلا رئيس الحكومة. فهو الذي يسهر على أمن البلاد وهو من يقرر السياسة الدفاعية.

هل انتهى هذا الواقع الآن؟ لقد أحال الحزب الإسلامي الحاكم عشرات الضباط السابقين على المحاكمة من دون أن يبدي الجيش أي تذمر أو تحرك. وعلى الرغم من التعايش الواضح بين العسكر والإسلاميين، من الواضح أن العسكريين قد سلموا بما رفضوا التسليم به في العقود الماضية. وبعدما كان الإسلاميون ينتقلون من حظر إلى آخر تحت أسماء متغيرة، أصبحوا الآن واجهة الدولة وواجهة الحكم.

وقد انتقلت تركيا مع الحزب الحاكم إلى مستقر مختلف تماما في وضعها الإقليمي وعلاقاتها الدولية. فمشاكلها مع سورية تبدو وكأنها حلت مائة في المائة (المياه والسدود ولواء الأسكندرون) وكردستان (530000 كلم) لم تعد تشكل تهديدا لوحدتها، ومكان علاقتها الخاصة مع إسرائيل تحاول إقامة علاقات ممتازة مع بُعدها العربي. وأما الأهم، وهو علاقتها مع الولايات المتحدة، فقد تغيرت هي أيضا على نحو جوهري. وكانت تركيا خلال الحرب الباردة تشكل، مع إسرائيل، قاعدة متقدمة في وجه الاتحاد السوفياتي، وهو وضع لم يعد قائما الآن. بل تحاول أنقرة استبدال العلاقة مع أميركا بالاتجاه نحو أوروبا. ويبدو ذلك أمرا شديد الاحتمال، ولو بعد حين. وقد غيرت حكومة أردوغان في الكثير من القوانين الأساسية من أجل أن تسهل انضمامها إلى الوحدة الأوروبية. وتبدو العقدة الأساسية حتى الآن في قبرص، حيث لا تزال القوات التركية تحتل جزءا كبيرا من الجزيرة منذ العام 1974.

ولم تؤد عقود من المفاوضات المباشرة والوساطات الدولية ومساعي الأمم المتحدة، إلى أي تقدم نحو حل الأزمة. وبقيت قرارات مجلس الأمن حول إعادة توحيد الجزيرة من دون أي تنفيذ أو جدوى. وتعول أوروبا على الوضع القبرصي إلى حد بعيد، وترى في الجزيرة مدخلا استراتيجيا على باب المتوسط.