التونسيون يبحثون عن أصدقاء

TT

مع بداية كل شهر جديد يقدم موقع الـ«فيس بوك» أحدث الإحصائيات بخصوص مستعملي الـ«فيس بوك» في العالم. من جهتي أحرص كلما سنحت الفرصة على التعرف إلى مدى تطور عدد مستعمليه في تونس ومقارنة ذلك ببعض البلدان الأخرى المغاربية والعربية والأفريقية باعتبار أن المقارنة آلية مهمة لحصول الفهم، وخاصة لتحديد حجم الظاهرة ووصفها بأكثر ما يمكن من دقة.

وفي هذا السياق تحديدا ندرك مدى أهمية الأرقام والإحصائيات فهي نصوص ثرية المعاني والدلالات والرسائل ومحفزة على القراءة ومثيرة للتفسير والفهم.

يشير موقع الـ«فيس بوك» إلى أن عدد مستعمليه في تونس وإلى حدود اليوم الأول من الشهر الحالي قد بلغ مليونا و708 آلاف و700 مستعمل، وبالتالي فإن 16.55 في المائة من سكان تونس يستعملون حاليا الـ«فيس بوك»، مع العلم أن في شهر فبراير (شباط) الماضي كانت نسبة مستعملي موقع الـ«فيس بوك» 10.92 في المائة من مجموع السكان.

وفي الحقيقة هذه الأرقام ليست عادية ولا يمكن الاستهانة بدلالتها البتة ولا بقابليتها لمزيد من السمنة!

فنحن أمام ظاهرة بأتم معنى الكلمة: ظاهرة إقبال التونسيين على الـ«فيس بوك». فتونس مقارنة بعدد سكانها تعد الأولى عربيا من حيث الإقبال، والثالثة عالميا بخصوص البحث حول كلمة «الفيس بوك». أما أن يقبل المجتمع التونسي على الـ«فيس بوك» أكثر من المجتمع المغربي والمصري وغيرهما وعلى النحو المشار إليه فإن ذلك يستحق التوقف وإمعان النظر.

ورغم أنه بالإمكان تفسير ظاهرة الإقبال الكبير والمتزايد بشكل مطرد، بالثورة الرقمية التي يشهدها العالم وتفرز يوميا متغيرات، حيث نجح التونسي في التأقلم معها برحابة صدر كبيرة، فإن المؤكد أن الاقتصار على هذا التفسير يخل بحقيقة فهم الظاهرة وتفكيك أسبابها موضوعيا.

ولما كانت هذه المتغيرات ليست حكرا على التونسيين دون سواهم، وأن الـ«فيس بوك» كمظهر من مظاهر المتغيرات الرقمية والحداثية قد عرف استعمالا استثنائيا من طرف التونسيين تحديدا، فإن المنطق يستوجب البحث عن أسباب ظاهرة الإقبال الكبير مقارنة بالمجتمعات المغاربية والعربية للتونسيين من مستعملي الـ«فيس بوك» أنفسهم. أي أن الفاعل الاتصالي نفسه هو الذي يحمل أسباب الظاهرة وحجمها الاستثنائي، حيث إن سلوكه يستند إلى موجبات وبواعث ومقاصد. إننا أمام ظاهرة هي من نتاج ما يسميه ريمون بودون «أثر التجميع» أثر قرابة المليونين من مستعملي الـ«فيس بوك» في تونس.

ويستدعي القبض على معنى هذه الظاهرة الإمساك قبل ذلك بالبعد الذاتي والفردي لظاهرة في تضخم متزايد (خلال أربعة أيام من شهر يوليو (تموز) الماضي شهد عدد مستعملي الـ«فيس بوك» في تونس زيادة بـ1600 مستعمل)، ويتضاعف وجوب الاهتمام بهذه الظاهرة تفسيرا وفهما عندما نفكك مجتمع الـ«فيس بوك» التونسي عمريا، ذلك أن 78 في المائة من مستعملي الـ«فيس بوك» تتراوح أعمارهم ما بين 16 و34 مع العلم أن النسبة الأكبر نجدها في فئة 18 - 24. وهو ما يعني أن أكثر من ثلاثة أرباع مستعملي الـ«فيس بوك» في تونس هم في سن الشباب مع ما يعنيه ذلك من سمات وحاجيات ومطالب وغير ذلك.

فمن الواضح أن هناك موقفا من المحيط الطبيعي ومن الأطر الاجتماعية آثر المجتمع الافتراضي، ويعبر من خلاله عن نقص ما وعن الحاجة إلى فضاء آخر يقوم فيه الشباب بعملية البحث عن الذات بعيدا عن الأسرة وعن الأصدقاء المباشرين وعن الأقران وعن المحيط الطبيعي بشكل عام.

إن هذه الرغبة الواضحة والهائجة في استبدال فضاءات التعبير والتحقق المعروفة بفضاء الـ«فيس بوك» حيث الدعوة المفتاح «كن صديقي» (الترجمة بتصرف) كل هذا يمثل مادة خام وثرية للتعرف إلى أكثر من مليون شاب تونسي اختار الشبكة العنكبوتية فضاء للتواصل. فالأكيد أن هناك رسالة قوية لعل احتفال تونس بالسنة الدولية للشباب فرصة ذهبية لفك شفراتها.