ما ندين به للعراقيين

TT

منذ خمسة وثلاثين عاما، تغيب شابان من موظفي الخارجية عن عملهما من دون إذن من مسؤولي وزارة الخارجية في إدارة الرئيس هنري كيسنجر لكي يذهبا إلى فيتنام في الأيام القليلة التي سبقت سقوط مدينة سايغون، وقد كنت أحد هذين الشابين. وقد أثار هذا الأمر انتقادات شديدة وأوامر بإلقاء القبض علينا وإعادتنا إلى الولايات المتحدة. وكان كل منا قد أرسل إلى فيتنام في السابق، وقد عدنا إلى هناك على نفقتنا الخاصة، وفي تحد لرؤسائنا الذين أصيبوا بالهلع لعدم وجود خطط لدى حكومتنا لحماية موظفينا وحلفائنا الفيتناميين مع اقتراب نهاية للحرب. وكنا نعتقد أن الولايات المتحدة عليها التزام أخلاقي ومسؤولية إنسانية تجاه أولئك الذين كانوا يعملون بجانبنا في ساحات معارك هذا الصراع الذي لم نحقق فيه النصر.

وإذا كنت لا تزال تشعر حتى اليوم بصدمة من تجاهل الحكومة الأميركية القاسي لحلفائنا في الفترة التي سبقت سقوط مدينة سايغون، فإن هذه المشاعر يمكن تجاوزها بالفخر الكبير الذي يجب أن يشعر به كل أميركي لما قامت به الحكومة والشعب الأميركيان عند سقوط سايغون والأزمة الإنسانية التي ضربتها، فقد كان تدفق الدعم وترحيب الأميركيين بمئات الآلاف من اللاجئين الفيتناميين مظهرا رائعا للنسيج الأخلاقي القوي لبلدنا.

وقد أصبحنا اليوم في مواجهة موقف مماثل في العراق، فنحن نقوم بسحب قواتنا، لكن لا تزال التزاماتنا الإنسانية قائمة، فقد أدت حربنا في العراق إلى نزوح أكثر من نصف مليون عراقي إلى الدول المجاورة، كما أجبر أكثر من مليون ونصف المليون نسمة على النزوح عن ديارهم إلى مناطق أخرى داخل العراق. والكثير من هؤلاء النازحين هم من عمال الطبقة الوسطى والتجار وأصحاب الأعمال الصغيرة - الذين لا يختلفون عن غيرهم في المدن الأميركية - وأصبحوا اليوم يعيشون في ظروف مزرية في مدن عشوائية ومنازل من الورق المقوى، ويستخدمون دورات مياه مفتوحة، ويفتقدون إلى المياه النظيفة. كما أنهم يتوسلون، في معظم الأحيان، لمنح أبنائهم فرصة الوصول إلى المستويات التعليمية التي وصلوا إليها هم أنفسهم قبل الحرب. وقد كانت الحرب، بالنسبة لهذه الأسر، وبالا. وليس الأميركيون وحدهم المسؤولين عن المأساة التي حلت بهم، لكننا نتحمل قدرا من المسؤولية، ويجب علينا ألا نتخلى عنهم ولا عن مسؤولياتنا.

وما يتعين علينا القيام به أولا هو مساهمتنا في التمويل اللازم لمساعدة من يعيشون ظروفا قاسية، فنداء الأمم المتحدة الإنساني لتوفير مساعدات للعراقيين المعرضين للخطر والمشردين هذا العام يطلب فقط مبلغا يزيد قليلا على 700 مليون دولار. ويتعين على الولايات المتحدة تقديم ما لا يقل عن نصف هذا المبلغ هذا العام، ومع تحسن البنية التحتية لصناعة النفط العراقية، فإن عائدات النفط ستتدفق في السنوات الخمس أو الست القادمة، وسيكون بإمكان العراقيين تحمل أعبائهم. إن مساهمة الولايات المتحدة لن تكون بمبلغ صغير، لكن هذا المبلغ يعتبر تافها إذا ما قورن بتكلفة هذه الحرب حتى الآن.

وبعد ذلك نحن بحاجة لدعم وزيادة توطين العراقيين الذين لا يتوقع عودتهم إلى العراق أو الذين توجد خطورة على حياتهم في حال عودتهم للعراق، وهذا يشمل، من بين أمور أخرى، العراقيين الذين عملوا في المؤسسات الأميركية وكانت حياتهم معرضة للخطر بسبب هذا الارتباط.

وأخيرا، نحن بحاجة إلى إعطاء الأمم المتحدة تفويضا بمغادرة المقار الآمنة بالمنطقة الخضراء، والتحرك إلى الأحياء العشوائية الفقيرة التي تظهر فيها أكبر المشكلات الإنسانية، فموظفو الأمم المتحدة في بغداد منزعجون من القيود المفروضة عليهم. وقد أصبحت الأمم المتحدة، بسبب هذه القيود، مساهما في تلك المشكلات الإنسانية.

وقد أشرت إلى الفخر الذي يتعين أن نشعر به جميعا لاستجابتنا للأزمة الإنسانية التي ظهرت في نهاية الحرب في فيتنام. وبغض النظر عما قد يشعر به المرء تجاه مشاركته في هذا الصراع، فقد وجهنا التحدي، ولو متأخرا، المتمثل في الآثار الإنسانية لأعمالنا، وينبغي أن نفعل الشيء نفسه في العراق.

* الكاتب هو عضو مجلس إدارة المنظمة الدولية للاجئين ونائب سابق لمفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين

* خدمة «واشنطن بوست»