الرطب العراقي والمقابر العربية

TT

يعاتبني القارئ الفاضل بكر تركي المعزي على ذكر «المقابر العربية» بدلا من تسميتها بالمقابر الإسلامية. هذا يا سيدي لأن هناك في عالمنا العربي مقابر لغير المسلمين. ففي بغداد مثلا، توجد مقبرة اليهود ومقبرة النصارى ومقبرة الأرمن. وهناك في الجنوب مقبرة للصابئة. وأعتقد أن المنظمات اليهودية في العالم ستقيم الدنيا وتقعدها وربما تحيلني إلى القضاء بتهمة معاداة السامية إذا سميت قبورهم في بغداد بمقبرة إسلامية. ويتهمونني عندئذ بالتمييز العنصري ضد الموتى اليهود.

الأخ صفاء مرمرجي كتب لي من الولايات المتحدة يذكر تمرا رطبا شاهده هناك في أيام رمضان. وجده على درجة من الروعة يتلألأ - كما وصفه - مثل أقراط بنات العرب. سأل البائع عن حسبه ونسبه فقال له إنهم جاءوا به من بلد اسمه العراق. يظهر من الوصف أنه من النوع المشهور بالبرحي الذي كان يزرع في بساتين النخيل في البصرة. اسمح لي يا عزيزي صفاء أن أروي لك حكايته الملحمية التي لا تقل في مغامراتها عن ملحمة غلغامش.

اعتبرت الحكومة العراقية هذا النوع من التمر المتميز بكبر حجمه وصفاء لونه الذهبي وطعمه اللذيذ نوعا نادرا لا يزرع إلا في بساتين البصرة. سمعوا أن الدول المجاورة كانت تسعى لاستيراده وزراعته في أراضيها. فأصدرت جمعية التمور العراقية - وهي مؤسسة حكومية - قرارا بمنع تصدير فسائل نخل البرحي لخارج العراق. سمعت مؤخرا أن الإسرائيليين من أصل عراقي المبتلين بالحنين لأي شيء عراقي أو يذكرهم بالعراق، فكروا باستيراده إلى إسرائيل فحملوا أجهزة المخابرات الإسرائيلية على تدبير عملية لتهريب فسائل البرحي سرا إلى إسرائيل. فبعثوا وكلاء جواسيس إلى إيران عندما كانت حليفة لإسرائيل في أيام الشاه. تمكنوا من التسرب وراء الحدود العراقية وشراء عدد من فسائل البرحي ثم هربوها مخفية تحت بضائع مختلفة في شاحنة في طريقها إلى إيران. ومن هناك نقلت إلى إسرائيل وزرعت وتكاثرت. وهكذا تم تهويد البرحي.

وقد نشر الضابط المسؤول عن العملية كتابا بالعبرية يروي حكاية هذه المغامرة في تهريب البرحي إلى الكيان الصهيوني. والظاهر يا سيد صفاء أن عملاء آخرين قاموا بتهريب البرحي من إسرائيل إلى أريزونا في الولايات المتحدة، والجيب واحد كما يقال. فيكون عليك الآن أن تقول إن الرطب الذي وجدته «كان يتلألأ كأقراط البنات اليهوديات» بدلا من قولك «كأقراط البنات العربيات!». فكما فهمت لم يعد هناك أي نخلات برحي في البصرة بعد أن قطعت وحرقت في أيام الحرب العراقية - الإيرانية.

وكان السيد موشي منوحين، والد الموسيقار الشهير يهودا منوحين ومؤلف الكتاب المشهور المعادي للصهيونية «انحطاط اليهودية في عصرنا»، قد تولى تجارة هذا التمر في كاليفورنيا وبعث لي بعلبة من هذا التمر المعلب تعليبا أنيقا، مع رسالة قال فيها، انظر كيف نعتني بالتمر هنا، فما بالكم أنتم أيها العرب لا تتعلمون كيف تعتنون بتعليبه؟ سقى الله ثراك يا أبو يهودا، فما الذي تعلمناه لحماية أرضنا وشعبنا لنتعلم كيف نحمي تمرنا ونحسن تعليبه؟!