«الحوار المتمدن»: أفواه بلا آذان!

TT

المشكلة الحقيقية مع بعض الناس أنهم لا يسمعون؛ وأن شهيتهم للّغط تفوق رغبتهم في فهم ما يقال. وعدم الفهم لديهم ليس نتيجة للغباء؛ بل لأنهم أفواه بلا آذان؛ مهما حاولنا، لا يمكن أن ننجح في استنطاقهم لغة مفيدة، ولا عجب، فهم مشغولون ببذل الطاقة في التشويش والخلط وعجن الدقيق بـ«سم الفيران» والتحرش بدين الوطن، باسطوانة: «الدين يهدد أسس الدولة المدنية» و«التمسك بخيار الدولة المدنية».. إلخ إلخ، ولست في حاجة إلى إيراد مقتطفات من تصريحات اللادينيين، فسيلها تحت سمع وبصر من أرادها. ومن جانبنا، لا يمكن أن نكف عن الطرق بالمطرقة عاليا مرارا وتكرارا ليسمع استغاثاتنا من يهتم، ومن مسؤوليته أن يهتم، بمصالح البلاد والعباد: اللادينية ضارة بالمسلمين والمسيحيين على حد سواء، فهي تنتهج مبدأ «للكلب ولا لك يا مؤمن»، وتفضل حرمان المؤمن ولو بإلقاء الطعام للكلاب، فدأبها حرمان المسلم من الاستظلال بشريعته، التي تقول في الآية 48 من سورة المائدة: «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون». فغير المسلم له الحق، من الله وليس من المخلوق، في الاختلاف وفي أن يستظل هو الآخر بشريعته ومنهاجه، أما اللادينية فغايتها الآثمة حرمان الكل من دينه في عقوبة جماعية تقهر المسلم والمسيحي واليهودي وغيرهم، بزعم منع الاختلاف!

إن اللادينية يا سادتنا فيروس ينشط في محيطه الملوث ومن ثم يمتد وباء كاسحا؛ تبدل نعمة الله كفرا وتحل قومنا دار البوار. يجد اللادينيون، كعادتهم في مناسبات الفتن، الماء العكر النموذجي للصيد المسمم، يرفعون راياتهم الخبيثة تحت شعار «الدولة المدنية» التي أدركنا، بعد لأْي، أنها الدعوة الفاجرة للدولة اللادينية الهادفة إلى خلع الدين عن مصر، فلا يزيد على كونه عمامة متحفية نقبّلها ونركنها بجوار الحائط لحين تقديمها للسياح في رقصة تنورة في مباهاة تراثية يتعجرف بها من لا صلّى ولا صام، ولا نهى عن منكر أو أمر بمعروف. إنهم يقولون بأفواههم إنهم مؤمنون، ولكن بشروطهم. فتحت بند الاجتهاد الجاهل يقبلون ويرفضون ويعدلون ويقدمون ويؤخرون ويلزمون الدين بأهوائهم منددين بشروطه وأصوله؛ اخترعوا مصطلح «الإسلام السياسي» ليأخذوا براحهم في الشطط: فلا دين في السياسة، ولا دين في الفن، ولا دين في القوانين الحاكمة للمؤمنين. يصرخون: «التكفيريون»، ولا أحد يمارس التكفير قولا وفعلا غيرهم، وإلا فما معنى تعميمهم بينهم مصطلح «متأسلم» و«متأقبط»؛ يطلقونه على المسلمين والمسيحيين المعارضين لمخططاتهم الضارة بأمن البلاد وأمانها؟ ألا تعني «متأسلم» أن المقصود يدعي الإسلام ويبطن الكفر بزعمهم؟ وألا تعني «متأقبط» أن المقصود يدعي المسيحية وهو غير ذلك؟ هم في غيّهم لا يكفون عن التطاول على القرآن الكريم والأحاديث النبوية وعلى المقدسات الكنسية، يوجعون القلوب ويجرحون المشاعر بإساءة الأدب في مقالاتهم وحواراتهم ومداخلاتهم وتعليقاتهم، ويسمون عدوانهم حرية رأي ومقتضيات إبداع، وحين يلزمهم القضاء النزيه، وفقا لقوانين مدنية، بغرامة تعلمهم الأدب يولولون من قهر القضاة والقضاء ويطالبون بقضاة في قضاء «بشروطهم» يبيحون لهم العدوان ويحمونهم من الردع!

هؤلاء اللادينيون لا تشبع لهم بطن؛ يتمركزون، بالقبلية اللادينية، في معظم مراكز الإعلام ومفاتيح المواقع الثقافية ليكون معهم النفير الذي يضخم صوتهم الواهن وحضورهم الشعبي الضئيل. ولا يكفيهم ولا يرضيهم، سوى إبادة المؤمنين.. فهل من نصير؟