يجب أن يكون لدى المسلمين إيمان بأميركا

TT

حتى وقت قريب بدت أوروبا الجزء الذي تتجلى فيه أبرز صور الخوف من الإسلام داخل الغرب برمته، وذلك على ضوء خلافات مريرة بشأن حظر الحجاب أو بناء المساجد داخل فرنسا وألمانيا وهولندا وسويسرا. بيد أنه خلال الأسابيع الأخيرة، بدا أن علاقة أميركا بالإسلام قد تغيرت. وقد كشفت المعركة التي أثيرت بسبب مقترح إنشاء مركز إسلامي بالقرب من موقع مركز التجارة العالمي (غراوند زيرو) ودعوة قس من فلوريدا إلى حرق نسخ من القرآن عن مخاوف مماثلة، وسارع صحافيون ومفكرون (ومن المفارقة أنه كان بينهم أوروبيون) إلى الحديث عن تنامي الخوف من الإسلام داخل أميركا.

وتظهر استطلاعات الرأي أن قرابة نصف الأميركيين لديهم آراء سلبية في الدين الإسلامي، ولا يمكن لأحد أن ينكر الخوف من الإسلام داخل أميركا. ولكن هل يمكن النظر إلى ذلك على أنه شيء بسيط مثل الخوف من الأجانب أو العنصرية؟ لا أعتقد ذلك. يمكن أن تتحول المخاوف الطبيعية والمفهومة إلى رفض قوي وعنصرية صريحة عندما يزكي الخطاب السياسي ومعه التغطية الإعلامية النار من أجل تحقيق مصالح اقتصادية أو دينية أو فكرية. وهذا هو ما يحدث في أميركا حاليا.

والواقع أن أغلبية الأميركيين لا يعرفون شيئا عن الإسلام، ولكن على الرغم من ذلك يخشونه ويشعرون أنه دين عنيف وإقصائي دخيل على مجتمعهم. وللتغلب على المشكلة نحتاج إلى التجاهل لا الكراهية. والتحدي الماثل أمام المسلمين داخل أميركا هو احترام مشاعر الخوف لدى المواطنين العاديين مع مقاومة استغلال هذه المخاوف من جانب أحزاب سياسية وجماعات ضغط وقطاعات معينة من الإعلام.

ولمواجهة هذا التحدي، يجب على المسلمين إعادة تقييم دورهم وسلوكهم ومساهمتهم في المجتمع الأميركي.

ولا تعد الانطباعات السلبية عن الدين الإسلامي شيئا جديدا داخل الغرب - كما أنها تعود إلى العصور الوسطى وليس إلى 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وقد كشف عن ذلك بصورة واضحة في نهاية القرن العشرين من خلال أزمات مثل الثورة الإيرانية وقضية سلمان رشدي، التي أوحت بأن الإسلام يهدد المصالح الأمنية الغربية وقيما أساسية - مثل حرية التعبير.

وفي الفترة الأخيرة، أكدت الهجمات الإرهابية على مركز التجارة العالمي والبنتاغون (بالإضافة إلى التفجيرات داخل بالي ومدريد ولندن)، ومعها أزمة الرسوم الكرتونية الهولندية للكثيرين داخل الغرب على أن الإسلام عدو. وعزز من نفس المخاوف حربان داخل العراق وأفغانستان والنزاع الإسرائيلي الفلسطيني.

وقد أكدت وقائع محلية جديدة داخل أوروبا وأميركا على هذه المشاعر السلبية، ويشير الظهور الأكثر للمسلمين - من خلال الملابس والمساجد ولون الجلد - إلى أن المجتمعات الغربية تتغير، وإلى أن هذا التغير سيكون مثيرا لمخاوف في أغلبه وغاب الوضوح عن هويات متجانسة، في الوقت الذي يتساءل فيه الأميركيون والأوروبيون عن مستقبل بلادهم وثقافتهم. ويأتي الوجود الإسلامي أيضا في مواجهة نقاشات أوسع عن الهجرة. ويبدو مستقبل الولايات المتحدة كئيبا من دون مهاجرين يساعدون على تعزيز الاقتصاد. ولكن ثمة مقاومة نفسية وثقافية كبيرة تواجه هذا الواقع الذي لا فكاك منه. ويؤثر ذلك على اللاتينيين والمسلمين، الذين أصبحوا وسيستمرون جزءا من المجتمع الأميركي.

وإذا أضفنا إلى هذه العوامل حالة عدم الاستقرار العامة المرتبطة بالحرب والتباطؤ الاقتصادي، نحصل على صورة عن أزمة هوية داخل أميركا وكيف أن دولة من المهاجرين تأسست على حرية التعبير وحرية الأديان يمكن أن تتنازعها شكوك وريبة ومشاعر خوف. ولا عجب أن الوجود الأميركي يثير مشاعر خوف ورفضا صريحا في الأغلب.

يجب أن يفهم المسلمون الأميركيون الأسباب التي تؤدي إلى هذا الخوف، وعلى أساس ذلك سيكون رد فعلهم. وبغض النظر عن المناخ المشوه حاليا، فإن الولايات المتحدة ليست معادية للإسلام وراثيا من ناحية دينية وليست معادية للمسلمين من ناحية عرقية. لقد حان الوقت كي لا يكون المسلمون في موقف الدفاع، وحان الوقت للتوقف عن الاعتذار لأنهم مسلمون والتأكيد على قيمهم وواجباتهم وحقوقهم ومساهماتهم للمجتمع الذي يعيشون فيه. ليس هذا وقت العزلة الثقافية أو الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية أو الفكرية.

ويجب أن يتعلم المسلمون الأميركيون الجدد (الذين يأتون بالأساس من الشرق الأوسط أو آسيا) المزيد من التجارب التاريخية التي مر بها الأميركيون ذوو الأصول الأفريقية، سواء المسلم منهم أم غير المسلم. فبعد أن كانوا من قبل مستعبدين وفي معاناة داخل الولايات المتحدة، نجد لهم حاليا دورا في الأنشطة والنقاشات الأميركية المرتبطة بالتعليم أو السياسة أو الثقافة أو الفنون أو العدالة أو الرياضة. ولا يمكن القول بأي حال من الأحوال إن نضالهم قد انتهى، ولكنهم يظهرون الطريق الذي يمكن أن يسير فيه المسلمون الأميركيون. ومن خلال المزيد من المشاركة النشطة، يمكن أن يتشكل لدى المسلمين إحساس أعمق بمعني أن يكون المرء أميركيا وأن يشعروا بالمزيد من الثقة والتواصل والتفاعل بمقدار أكبر مع المواطنين. الحياة ليست مجرد بحث عن حقوق، ولكنها ذات صلة أيضا بمشاعر جماعية يجب الشعور بها. ومن الممكن حماية حقوق شخص ما، وفي نفس الوقت الاعتراف وتفهم مخاوف الآخرين.

ويقودنا ذلك إلى غمار النقاش الأكبر حول الإسلام داخل أميركا. ولا شك أنه من حق المسلمين المشروع بناء مركز إسلامي بالقرب من غراوند زيرو. ولكن، لا أرى أن هذا قرار حكيم، بالنظر إلى المشاعر المختلفة داخل المجتمع الأميركي. فهذا وقت علينا أن نتجاوز فيه الحقوق لنصل إلى الصالح المشترك: وبناؤه في مكان آخر لو كان ذلك متاحا أمر منطقي وخطورة رمزية. ولا يعني القيام بذلك أننا نقبل الفرضية الزائفة التي تقول إن الإسلام مسؤول عن 11 سبتمبر (أيلول)، ولا يعني التضحية بحقوق الفرد من أجل أصوات شعبوية أصولية دينية من المحافظين الجدد يسعون إلى تحويل القضية إلى صراع جديد بين الحضارات.

ويجب على جميع الأميركيين - سواء كانوا مسلمين أم يهودا أم مسيحيين أم هندوسا أم بوذيين أم ملحدين - ممن يرغبون في تعزيز مجتمع تعددي قائم على العدالة مواجهة المخاوف الحالية غير العقلانية. وعندما كنت أشاهد المعركة داخل نيويورك ورد الفعل على تهديد القس تيري جونز بحرق نسخ من القرآن داخل فلوريدا في ذكرى 11 سبتمبر، كنت أشعر بالتفاؤل. لقد شهدنا ممثلين يهودا ومسيحيين، ومثقفين وفنانين من مختلف الأطياف السياسية والدينية، يعبرون عن دعمهم للمركز الإسلامي لأنه سيساعد على سد الهوة بين الأديان والمواطنين. وهذه الأصوات، في تنوعها، تمثل تطورا وتأكيدا على أميركا، ويجب الإنصات إليها وتقديرها. وربما كانت الإدانة الكبيرة لـ«يوم حرق القرآن» نتيجة جزئية لتبعات محتملة بالنسبة للجنود الأميركيين داخل أفغانستان (مثلما حذر الجنرال ديفيد بترايوس)، ولكن من الواضح أيضا أن الكثير من الأميركيين يفكرون في أن هذا التصرف غير المحترِم للآخرين سيتجاوز خطا غير مقبول. ومرة أخرى، سمعنا أصواتا مختلفة تدعو إلى الاحترام.

ويواجه المجتمع الأميركي، ومن بينهم المسلمون، خيارا، فمن الممكن أن يحرك المجتمع أصولية وشكوكا أو يمكن أن يعتمد على مؤسسات مدنية ودينية بناءة تعمل من أجل مستقبل مشترك أفضل. لقد بدأ نضال المسلمين من أجل الاحترام والعدالة والتفاهم داخل الولايات المتحدة، ولن ينتصر المسلمون في ذلك بالاعتماد على أنفسهم وحسب. ومن حسن الحظ أن الولايات المتحدة بها الكثير من التحالفات الرسمية وغير الرسمية التي لديها نوايا طيبة وتعزز من التعددية ومستعدة إلى دعمها. وهذا العمل ليس سهلا، وسيستغرق وقتا كبيرا ويحتاج إلى عزم وشجاعة. ولكن بغض النظر عن الجدل الذي يمكن أن يظهر داخل نيويورك وفلوريدا وأماكن أخرى، يجب علينا أن نثق في القوى الإيجابية داخل المجتمع الأميركي.

* أستاذ الدراسات الإسلامية المعاصرة في كلية سانت أنطوني بجامعة أكسفورد ومؤلف كتاب «البحث عن معنى: تطوير فلسفة التعددية». وآخر مقال رأي له نشر في «واشنطن بوست» كان بعنوان: «لماذا أنا ممنوع داخل الولايات المتحدة؟» في أكتوبر (تشرين الأول) 2006.

** خدمة «واشنطن بوست»