من مستجدات اللغة

TT

رغم كل جمود قواعد النحو العربي وإصرار المتزمتين على تجميد اللغة العربية وقتلها من حيث لا يشعرون ولا يدركون، فإنها في الواقع لغة قادرة على التطور واستيعاب تطورات المجتمع ومستجدات الحياة. استمع إلى العامة في الأسواق والمقاهي لتدرك مدى قدرة المواطن العربي على تطويع لسانه ولغته في التعبير عما في خاطره وما يريده. من هذه المستجدات اللغوية الكثيرة كلمة نرفزة ومشتقاتها مثل ينرفزني. وهي بوضوح مأخوذة من اللغة الإنجليزية نرفز nerves، أي الأعصاب. بدلا من أن نقول يعصبني رحنا نقول ينرفزني.

ترجع أصول معظم هذه المستجدات اللغوية إلى تأثيرات اللغات الأوروبية، وعلى الخصوص اللغة الإنجليزية والفرنسية. انطوى بعضها على استعمالات طريفة كمهنة اللوكآفتري في بغداد. وهو الرجل الذي يقوم بحراسة سيارتك ورعايتها عندما تتركها في مواقف السيارات. يعود الاستعمال إلى أيام الاحتلال الإنجليزي في العراق. كان ضباطهم وموظفوهم يتركون سياراتهم في شارع الرشيد والباب الشرقي فيلتف حولهم الصغار ويعرضون خدماتهم للسهر عليها. يعطيهم الإنجليزي عشرة أو عشرين فلسا ويقول لهم: «لوك أفتر إت» (look after it) فيتولى الصبي المهمة. يقول لأصحابه بفخر: أنا اللوكآفتري لهذه السيارة أو للكابتن براون. وهكذا نشأت مهنة اللوكآفترية. وبات في النية تأسيس نقابة بعنوان «الاتحاد العربي العام للوكآفترية». يقومون بأعمالهم في مواقف السيارات أو باركات السيارات. وهذه كلمة أخرى استوردناها منهم، بارك السيارات. واشتققنا منها مشتقات جديدة أغنت اللغة العربية. تسأل الشرطي: ممكن ابرّك هنا؟ فيقول لك: لا سيد، التبريك هنا ممنوع بتاتا. تعطيه عشرة قروش فيبتسم ابتسامة عريضة ويقول لك: تفضل سعادة البيه برّك فين ما يعجبك.

الفابريقة كلمة أخرى استعرناها من الغرب. ولكننا توسعنا في استعمالاتها تماشيا مع وقائع حياتنا وسياسات عالمنا العربي. ينصحونك بأن لا تنصت للفضائيات العربية، فيقولون احذر منها. كل ما تقوله كلام «مفبرك». أحسن لك اقتصر على سماع أغاني أم كلثوم، الشيء الوحيد الذي ما فيه «فبركة».

من أطرف المستجدات اللغوية التي سمعتها مؤخرا استخدام لقبي ولقب أجدادي «القشطيني» كمصدر يعبر عن الاستهتار بوقائع التاريخ العربي والاستخفاف بكل ما يدلي به المسؤولون من تصريحات. يقولون لك إن أبو فلان التقى نتنياهو وحصل منه على تعهد بالانسحاب من سائر المناطق المحتلة فتقول له: لا أخي لا، هذي حكاية مقشطنة من أولها لآخرها. وينادي عليك رئيس التحرير ليقول لك: نعم، لا بأس. اكتب شيئا عن هذا الخبر لكن شوية قشطنها. وتروج إشاعة عن تهريب وزير عراقي عشرة ملايين دولار إلى سويسرا، فينادي الوزير على السكرتير ويقول له أصدر تكذيبا للخبر ولا تنس أن تقشطن تفاصيله. ويروي لك أحد كبار المؤرخين العرب عما قاله طارق بن زياد لملك الإفرنج فلا تملك غير أن تسأله: وهل التقاه؟ ومن كان حاضرا وكتب كل هذا الكلام؟ وهل كان بين جنوده من يحسن الكتابة ليكتبه؟ يا أخي هذي حكاية قشطينية وكل تاريخنا مليان قشطينيات.