فرحة بالقطّارة!

TT

نحن نخاف إن داهمنا الفرح، إن «اضطررنا» إلى الضحك، إن زارتنا السعادة، أو أطل علينا زمن جميل، فنسارع لمغالبة خوفنا بالدعاء: «اللهم اجعله خيرا»، فالخروج من دوائر الاكتئاب يخيفنا، يفزعنا، يقضّ مضاجعنا كالفأل الرديء، فيأتي عيد، ويذهب آخر، وفرحتنا بالقطّارة، نخاف ونرتعد من مواسم الفرح، وكأننا نخشى دفع فواتيرها بعد ذلك تعاسة وشقاء وألما، فمن المسؤول عن خوفنا من الفرح؟ من شوّه صورته في دواخلنا؟ من جعله نذيرا حتميا أو مقدمة للهموم والأحزان؟ من هز أركان طمأنينتنا وبلّد أحاسيسنا؟

في الماضي كنّا فقراء، ولكننا أثرياء بالفرح، يأتي العيد فنخرج لاستقباله بالطبول والعطور والبخور، وتتعالى في أمسياتنا الأهازيج والمواويل وأنغام السمسمية، وتفوح من صباحاتنا رائحة العود و«المستكا» وعطر الليمون، وتتغندر المدن وتتجمل وترقص احتفاء بالفرح، فهل هي اليوم كذلك؟!

في العيد طالبت زميلتنا الكاتبة بينة الملحم بضرورة إنقاذ العيد من براثن ثقافة التجهم بعد أن غدت أفراحنا لا تختلف عن أحزاننا، فمَن ينقذ مَن أيتها الكاتبة والكل منشغل في وقار متكلف؟! مَن ينقذ مَن أيتها الزميلة والعيد غدا غريبا أو عابر سبيل لا يقوى على طرق أبواب قلوبنا؟

في الماضي كانت تكفي صغارنا بضع «مراجيح» ننصبها في برحات المدن، وتبهج كبارنا تجمعات حميمة في المقاهي والبيوت، ويسعد نساءنا انسكاب صوت طارق عبد الحكيم من جهاز «الغرامفون» يغنّي «تعلق قلبي بطفلة عربية»، فالنفوس المشرعة أبوابها للفرح يبهجها حتى القليل منه، اليوم تتنافس بلديات المدن في عقد المهرجانات، ولكنها تفشل في إشعال فتيل الفرح!

الناس اليوم من كثرة «التبويز» يوشك أن تنبت لها خراطيم كالتي في وجوه الفيلة، إنها ثقافة التجهم تضرب أطنابها في الأعماق، إنها طريقة التفكير الخاطئ في التعامل مع الفرح، إنها قائمة المنغصات والممنوعات التي رسخت في أعماقنا على مدى سنوات، فأغلقت كل بوابات الفرح.

وها قد جاء العيد، ومضى، فمن يقول للعيد: «تمهل أيها العيد، فثمة أناس فاتهم الفرح»؟!

[email protected]