بعد 11 سبتمبر.. أصبحنا أكثر أمنا عما نظن

TT

هل أصبحنا الآن أكثر أمنا عما كنا عليه في 11 سبتمبر (أيلول) 2001؟ يبدو هذا التساؤل بسيطا يمكن الإجابة عنه بسهولة أو على الأقل عقد محادثة جادة بشأنه. لكننا داخل أميركا نشهد حالة من الاستقطاب الشديد هذه الأيام لدرجة تجعل طرح إجابة عن هذا التساؤل الآن تبدو أكثر صعوبة عن الفترة التالية مباشرة لوقوع الهجمات. ورغم ذلك، دعوني أحاول الإجابة على هذا التساؤل في حدود علمي.

بالطبع أصبحنا أكثر أمنا، فخلال تسعينات القرن الماضي أدارت «القاعدة» معسكرات تدريبية قد يصل عدد المقاتلين الذين اجتازوها إلى 20 ألف مقاتل. وكان التنظيم قادرا على العمل بنجاح خلال ذلك العقد وحتى العقد التالي بسبب تعامل غالبية الحكومات معه كمصدر إزعاج، وليس كتحدٍّ خطير يجابه أمنها الوطني. بعد الهجمات تبدل توجّه العالم على نحو راديكالي، وأثبتت سلسلة الإجراءات الأمنية التي جرى اتخاذها منذ ذلك الحين فاعليتها. من بين الأمثلة على ذلك أن إغلاق كابينة الطيارين جعل من غير المحتمل بدرجة بالغة استغلال الطائرات مجددا كصواريخ. إضافة إلى ذلك، شرعت الولايات المتحدة في اتخاذ موقف هجومي حيال أفغانستان، حيث أسقطت النظام الحاكم بها الذي ساند «القاعدة»، ودمرت معسكرات التدريب هناك وطاردت مجندي التنظيم بمختلف جبال المنطقة. وعمدت واشنطن، بالتعاون مع حكومات أخرى، إلى اقتفاء أثر الاتصالات وتنقلات الأموال - وهو الأهم - التي تغذي العمليات الإرهابية، وأعاقتها أينما سنحت الفرصة لذلك. ومثلما كتبت خلال تلك الفترة وما تلاها، وحسب قناعتي التي لا تزال مستمرة بداخلي، فإن إدارة بوش جديرة بالثناء عليها لاتخاذها هذه الخطوات. وبغض النظر عن تقدير المرء للقرارات اللاحقة فإن سياسات إدارة بوش القائمة على تأمين الولايات المتحدة في الداخل وتعقب «القاعدة» عامي 2001 و2002 كانت في معظمها ذكية وناجحة. وكان من شأن قرار الرئيس أوباما تصعيد الحملة ضد «القاعدة» بباكستان إحداث مزيد من التمزق بها. وعليه، تقلصت البؤرة المركزية لـ«القاعدة» - وتضم أسامة بن لادن والحاشية المقربة منه - إلى قرابة 400 مقاتل. وعجز التنظيم عن تنفيذ أي هجمات كبرى على شاكلة تلك التي قام عليها جوهر استراتيجيته، وتتمثل في استهداف أهداف أميركية بالغة الأهمية تحمل دلالة عسكرية أو سياسية. وبدلا من ذلك جرى شن الهجمات الإرهابية خلال حقبة ما بعد هجمات 11 سبتمبر على يد مجموعات محلية أصغر تعرف نفسها باعتبارها كيانات فرعية تتبع «القاعدة»، استهدفت مواقع أيسر بكثير، مثل حانة في بالي ومقاهٍ في الدار البيضاء وإسطنبول وفنادق في العاصمة الأردنية عمّان، بجانب محطات قطارات في مدريد ولندن. وتكمن المشكلة الكبرى في هذه الهجمات بالنسبة إلى منفذيها في أنها تسفر عن مقتل مدنيين عاديين، لا جنود أو دبلوماسيين أميركيين، وبالتالي تثير سخط السكان المحليين ضد الإسلاميين الراديكاليين.

لقد تمثل الخطر الحقيقي لـ«القاعدة» في أنها قد تلهم جزءا من الـ1.57 مليار مسلم، وتثير موجات من الجهاديين يتعذر التصدي لها. بيد أنه في الواقع انحسرت مكانة الإسلام المسلح بمختلف أرجاء العالم المسلم. وفي النصف الذي يعقد انتخابات من العالم المسلم، جاء أداء الأحزاب المرتبطة بأي صورة بالجهاد الإسلامي المسلح رديئا للغاية، حتى داخل باكستان التي تعاني اليوم من الإرهاب الأكثر خطورة على مستوى دول العالم. وعلى مدار السنوات القلائل الماضية ندد أئمة وقيادات مسلمة بمختلف أرجاء العالم المسلم بالتفجيرات الانتحارية والإرهاب و«القاعدة» على نحو منتظم. بطبيعة الحال لا يعني ذلك أننا أصبحنا في مأمن بنسبة 100%، ولن نصبح كذلك في يوم من الأيام، ذلك أن المجتمعات المفتوحة والتقنيات الحديثة تجتمع معا لتخلف خطرا دائما. وبمقدور مجموعات صغيرة من الأفراد الإتيان بأعمال مروعة. ومع ذلك لا يزال بإمكاننا تعزيز مستوى الأمن الذي ننعم به، لكن ذلك يعني فرض قيود أكثر بكثير على حرياتنا في الانتقال والتجمع والاتصال. وفي المقابل من الصعب أن يقدم أي شخص على ارتكاب أعمال إرهابية بدولة مثل كوريا الشمالية. وعليه يبقى التساؤل المشروع هو: هل تمادينا في رد فعلنا؟ هل هناك ضرورة للتوسيع الذي طرأ على سلطات الحكومة والأجهزة البيروقراطية؟ هل يستلزم تنظيم يضم 400 مقاتل فحسب ويعاني من أفول نجمه عالميا صياغة الاستجابة المؤسساتية ذات الطابع الدائم التي قمنا بها؟

لقد عكفت على طرح هذه التساؤلات لسنوات حتى الآن، ووصفت «رد فعلنا المبالغ فيه على نحو هائل» في مقال نشرته مجلة «نيوزويك» عام 2008، لكن من دون تأثير يذكر. خلال سنوات حكم بوش كان هناك تردد لدى تيار اليسار إزاء الاعتراف بأن الإدارة فعلت أي شيء جدير بالإشادة في مجال مكافحة الإرهاب. ومع ذلك تبقى المشكلة الأخطر بكثير في التيار اليميني، حيث أصبحت فكرة أننا مهددون من مجموعات كبيرة من الإرهابيين المسلمين الذين يوجد الكثيرون منهم داخل الولايات المتحدة، بمثابة حقيقة لا جدال فيها.

وكان من شأن تلك الحملة الرامية إلى خلق شعور بالخطر الوشيك إثارة جو عام من الخوف والغضب، بجانب خلق شكوك حيال المسلمين الأميركيين، الذين يتميزون بدرجة من الاندماج في المجتمع الأميركي تفوق درجة اندماجهم في أي مجتمع آخر في العالم. وتكمن المفارقة في أن ذلك تحديدا هو هدف الإرهاب، ذلك أن بن لادن كان يدرك أنه ليس بإمكانه إلحاق الضعف مباشرة بالولايات المتحدة، حتى وإن نسف عشرات المباني أو السفن، لكن كان بمقدوره استثارة رد فعل مبالغ فيه تلحق من خلاله أميركا الضعف بنفسها.

* خدمة «واشنطن بوست»