من المخادع: عباس أم نتنياهو؟

TT

الرأي الشائع بين كثيرين بشأن محمود عباس وبنيامين نتنياهو في الوقت الذي ينطلقون فيه إلى الجولة الثانية من مباحثات السلام في الشرق الأوسط الأسبوع الحالي شيء يشبه الآتي: عباس شخصية معتدلة يريد في الحقيقة حل الدولتين، لكنه قد يكون على درجة من الضعف السياسي تجعله غير قادر على تحقيقه. ويعد نتنياهو أحد الصقور الذين يتبنون موقفا سياسيا قويا في إسرائيل، لكنه لا يقبل في الحقيقة قيام دولة فلسطينية.

لذا، كيف يمكن أن يكون ذلك هو نتنياهو الذي قضى الأسبوع الماضي في ترويج «حل وسط تاريخي مع جيراننا الفلسطينيين» ويعد «بقبول التفكير الأصلي» لتحقيقه، في الوقت الذي يعلن فيه الوزراء في حكومته عن معارضتهم؟ ولماذا عقد عباس، الذي وصف نفسه بأنه تم جره إلى المباحثات، مقابلات هدد فيها مرارا وتكرارا بالانسحاب واستبعد علنا تنازلات تقول استطلاعات الرأي الفلسطينية إن غالبية شعبه مستعد لقبولها؟

وفي الشرق الأوسط، بالطبع، لا تعد الأمور - مثل التصريحات العامة - دوما بالصورة التي تبدو عليها. بيد أن التناقض بين الأحكام المعتادة بشأن الزعيمين الإسرائيلي والفلسطيني وما يقولونه في الواقع يؤكد على ما قد يكون الجانب الأكثر إثارة للفضول في «عملية السلام» الأخيرة. لقد تم تصميم المباحثات بطريقة تجعل معظم المفاوضات تتم مباشرة بين نتنياهو وعباس في جلسات خاصة. ومع ذلك، لم يعد أي أحد - لا الخبراء المعتادون ولا إدارة أوباما ولا حتى معظم الأفراد في الحكومتين الإسرائيلية والفلسطينية - متأكدا تماما من النوايا الحقيقية للزعيمين.

دعنا نبدأ مع نتنياهو. باعتباره رئيسا للوزراء في تسعينات القرن الماضي، قام زعيم حزب الليكود بأكثر من دوره في تحطيم خطة أوسلو للتوصل إلى حل الدولتين، ولم يصرح قط بصورة علنية أنه سيقبل دولة فلسطينية تتمتع بسيادة كاملة وتكون عاصمتها القدس. لكن كما قال الكاتب الدبلوماسي بصحيفة «جيروزاليم بوست» هيرب كينون الأسبوع الماضي، كان خطاب نتنياهو متحولا بصورة سريعة: لقد بدأ وصف عباس بأنه «شريك السلام» واستخدام مصطلح «الضفة الغربية» بدلا من المصطلح القومي الإسرائيلي «يهودا والسامرة».

وطرح كينون ثلاثة تفسيرات ممكنة لسلوك رئيس الوزراء، منها أنه يحاول وضع عباس في مأزق أو استرضاء باراك أوباما. لكن يبدو، على الأقل من الناحية الظاهرية، أن نتنياهو كان جادا عندما أخبر حكومته بأنه يستطيع قبول دولة فلسطينية بشرطين: الاعتراف بأن إسرائيل هي «الوطن القومي للشعب اليهودي»، ووجود نظام أمني صارم يضمن أنه «لن يتكرر ما حدث بعدما تركنا جنوب لبنان وغزة»، اللتين احتلهما مسلحون مدعومون من إيران، الذين صوبوا آلاف الصواريخ تجاه المدن الإسرائيلية.

وأضيف إلى ذلك شرطا ثالثا، وهو أن نتنياهو يريد تنفيذ إقامة الدولة الفلسطينية على مراحل، حتى إذا جرى الاتفاق على شروطها النهائية مقدما. وفي البداية على الأقل، ستجوب القوات الإسرائيلية الحد الشرقي لفلسطين مع الأردن، وربما تظل بعض المستوطنات على الأراضي الفلسطينية كما هي.

وقد يكون ذلك قابلا للتطبيق أو غير قابل. لكن الجدير بالذكر أن عباس قضى الأيام التي تلت محادثات خاصة مطولة مع نتنياهو في واشنطن في إجراء مقابلات مع وسائل الإعلام العربية رفض خلالها علنا جميع هذه الشروط. وقال إن الفلسطينيين لن يعترفوا مطلقا بإسرائيل كدولة يهودية؛ ولن يسمحوا للقوات الإسرائيلية بأن تظل في الضفة الغربية. وفي الحقيقة، إذا تم إرغامه على القيام بأية تنازلات، «سأحزم حقائبي وأرحل»، حسبما صرح لصحيفة «القدس».

وسارع الأنصار الفلسطينيون إلى القول بأن عباس يقول مثل هذه الأشياء لأنه تحت ضغوط محلية رهيبة، ليس فقط من جانب حماس لكن أيضا من جانب «الشارع» الفلسطيني. لكن هل الأمر كذلك؟ أشارت دراسة لاستطلاعات الرأي الفلسطينية الأخيرة أجراها ديفيد بولوك، من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إلى أن 60% من الفلسطينيين سيقبلون «اعترافا ثنائيا بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي وبفلسطين كدولة للشعب الفلسطيني». وقال نصفهم إنهم من الممكن أن يتسامحوا مع الحضور الإسرائيلي المؤقت على الحدود الأردنية «لأسباب أمنية».

وتمكن عباس من إقناع إدارة أوباما بأنه جاد في ما يتعلق بتسوية للسلام. ربما يكون كذلك. وربما أيضا يكون نتنياهو، الذي يجيد العلاقات العامة السياسية، نجح في خلق صورة لنواياه مناقضة للواقع. وعلى أية حال، سيتعين على الرجلين قريبا تقرير ما إذا كانا سيحققان وعودهما أم لا. لا يسعنا إلا أن نأمل في أن يكون عباس، وليس نتنياهو، هو المخادع.

* خدمة «واشنطن بوست»