لا مصالحة ولا أمن بوجود المالكي

TT

كثير مما قيل عن المصالحة ليس إلا كذبة كبيرة، أريد بها تمرير مخططات بنيت على أسس طائفية. ولعل من أبرز علامات الإجحاف أن يجري التعامل «مثلا» مع الجناح السوري للبعث العراقي وفق الضوابط التي عومل بها عناصر البعث العراقي، على الرغم من بقاء هذا الجناح معارضا للنظام السابق طيلة فترة حكمه، ومشاركته فصائل المعارضة معظم نشاطاتها، وتكوينه جسرا لدعمها من مرتكزات دعمه. وبجرد سريع يمكن التوصل إلى أن القيادات البعثية التي تعرضت للتصفيات من قبل النظام السابق يزيد عددها عشرات أضعاف المتضررين من قيادات حزب الدعوة. فهل يعقل والحال هكذا توقع مصداقية أقوال سطحية لا طريق لها نحو التطبيق العملي؟

الكلام عن المصالحة لا قيمة له، في ظل وجود نحو مليوني مهجّر في دول الجوار. نسبة كبيرة منهم من عموم البعثيين والعسكريين، الذين كتب لهم الدفاع عن بلدهم، بصرف النظر عما قيل ويقال. وللإنصاف، فإن النظرة الفئوية الظالمة تجاه المهجرين لا تمثل سياسيين كثيرين يعملون ضمن تيارات دينية، لا أريد أن أسبب لهم حرجا بذكر أسمائهم في مرحلة حساسة، بل تمثل رأي فريق الحكم وبعض طفيليي السياسة.

نعم، لقد أعادوا إلى الخدمة آلاف الضباط من الجيش السابق، وفق حسابات فئوية يفترض خضوعها لمساءلة وطنية وقانونية، فالمصالحة تعني طي صفحة الماضي، لا سيما أن الجميع ارتكبوا أفعالا معينة، فمنهم من ذهب بعيدا مع النظام السابق، ومنهم من ذهب أبعد بتنفيذه عمليات إرهابية انتحارية استهدفت مفاصل اقتصادية كبرى ومواقع أخرى مهمة في بغداد وسط الثمانينات.

في سامراء توجد مدرسة ابتدائية حكومية تحمل منذ تأسيسها قبل خمسين عاما، اسم الخليفة العباسي المتوكل على الله، تضررت بسبب عمليات العنف. جاء الإيرانيون ورمموها وعملوا على تبديل تسميتها إلى مدرسة فاطمة الزهراء. واضطرت الحكومة إلى تأمين حماية مسلحة قوية حولها. فهل العراق بحاجة إلى حفنة دولارات؟ وكيف سمح المالكي بذلك؟ أم أنه مشروع لإثارة الفتنة بتغيير الهوية؟ وبأي وجه شرعي يزج اسم فاطمة (رضي الله عنها) بهذه الطريقة؟ فقد يوجه أصحاب الغرض السيئ عملاءهم لتخريب المدرسة، فيقولون بعدها إن أهل سامراء ضربوا مدرسة الزهراء، وهكذا تتجدد الفتن.

وقصة مدرسة المتوكل ليست إلا علامة بسيطة من علامات خطرة تستهدف تغيير هوية مدينة لها خصوصية أحادية منذ العهد العباسي، بشن الحكومة حربا اقتصادية منظمة عليها، ألحقت أضرارا فادحة بأهم مراكزها الاقتصادية، لدفع الناس إلى بيع ممتلكاتهم وتحويلها إلى مؤسسات دينية من خارج المدينة والحدود. ومهما تذرعوا بالقانون فإن الضغوط النفسية والاقتصادية والأمنية تفقده الغطاء الشرعي، بينما أغلقوا المدرسة الدينية السنية الوحيدة في المدينة، حتى إن علماء دين معروفين طلبوا مني التحدث إلى القيادة التركية للتدخل، كأن المطلوب إحياء الدور العثماني لمجابهة دور صفوي جديد!

وكان من الضروري، على الأقل، إرجاء محاولات نشر الفكر الديني لحين التوصل إلى نظام ديمقراطي حقيقي في ظروف هادئة يترك الاختيار فيها للناس، وليس استغلال ظروف قسرية تترتب عليها ردود أفعال مفتوحة.

ومما يعطي انطباعات معينة عن المستقبل، يقال إن وزارة التربية قامت بتغيير مواد من التاريخ القديم، وأصدرت كتبا تظهر الأطفال يصلّون وفق طقوس مذهبية مختلفة! وكل هذا يمر والسياسيون منشغلون بهمومهم الشخصية.

ومما يثير الدهشة أمنيا، مهما كانت المبررات، أن تنتقل قيادة وزارة الدفاع من مقرها إلى آخر بديل، تحسبا لهجمات عنف! فهل يعقل أن يكون هذا بفعل «فلول» و«خلايا نائمة»؟ فهذه حالة لا تطبق إلا في ظروف حرب جوية وصاروخية شاملة.

وبعد هذه النتف القليلة، فعلى الجهات السياسية الشيعية، التي أبدت ملامح حرص وطني ينبغي تشجيعه، أن تربط بين هذه الممارسات المستنكرة والرفض السني الشامل للمالكي. ومن يحرص على الوحدة الوطنية والأمن عليه القبول بقيادة أخرى. ومع تفهم عدم القبول بحاكم سني حاليا، فمن الإنصاف أن يكون الحاكم الشيعي عادلا، بعد أن فشل المالكي في التجربة، وأصبح وجوده عائقا أمام المصالحة والأمن. والمفاضلة ينبغي أن تكون محصورة بين علاوي وعبد المهدي، فكلاهما يحظى بمزايا مشجعة عراقيا ودوليا.

أما ما يتكرر ذكره عن دعم أميركي لتجديد سلطة المالكي، فيثير شكوكا مريبة حول أهداف السياسة الأميركية.