تأمل وتحية

TT

لا يمكن النظر والتحليل في الأحداث الأليمة الأخيرة التي حدثت بالبحرين وكادت تؤدي إلى كوارث أكبر لولا العناية الإلهية، ثم تدخل القوات الأمنية في الوقت المناسب لوأد الفتنة، دون النظر في الوضع الطائفي الملتهب في المنطقة. فحوادث البحرين مهما منحت الغطاء السياسي المعارض فإن النكهة الطائفية كانت تفوح وبقوة منها. وهي مجموعة متطرفة وقعت في شراك المذهبية المقيتة تحركها رؤوس متشددة تتلاعب بالنصوص والنفوس.

والتطرف ليس حكرا على دين ولا مذهب ولا طائفة كما بات معروفا ومعايشا حول العالم، فكل دين ومذهب وطائفة يعاني مر المعاناة من المتشددين والغلاة والمتنطعين فيه، الذين تعلو أصواتهم ويحجبون بجهلهم نور العدل والسماحة عن الآخرين، فيعيثون الخوف والمفسدة بين العباد. ولذلك، الأصوات العاقلة والمتزنة وسط أبناء الطائفة الجعفرية يجب الإشادة بها وتقدير مواقفها وإظهار التصريحات العاقلة المجمّعة لا المفرقة التي تبنت الخطاب الموتور والمهين بحق سائر المسلمين والصحابة وزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم.

وخلال شهر رمضان المبارك تابعت بشغف واهتمام كبيرين حلقات «الحديث الصريح بعد التراويح» على محطة «المستقلة»، التي تبث من العاصمة البريطانية لندن، ويقدمها التونسي المتألق الدكتور محمد الهاشمي، عن التقريب بين فريقي السنة والشيعة، وكان نجما هذه الحلقات العلامة اللبناني البارز في الفكر الجعفري، والشيعي عموما، السيد علي الأمين، والباحث الأزهري البحريني المتخصص في مسائل العلاقة بين آل البيت والصحابة الشيخ حسن الحسيني، وفند كلاهما بعلم وعمل وتدقيق وبالحجج والبراهين المسائل الخلافية، وبينا أن كثيرا من المسائل لا دليل عليها من القرآن ولا من السنة بل ولا حتى من أقوال الإمام علي رضي الله عنه عن نفسه، وبالتالي لا يمكن القول ولا القبول بأن من لا يؤمن بها يخرج من الدين ومن الملة. كانت حلقات بالغة الأهمية والعمق والدلالة، وأجزم أن علي الأمين بعلمه وجرأته وموقفة يسطر تاريخا جديدا للمرجعية الجعفرية في العالم العربي ويخرجها من هيمنة السطوة الإيرانية عليها التي عبثت بالمراجع والمرجعية منذ وصول الخميني لرأس السلطة فيها، وهذا ليس بإقرار من المخالفين ولكنه مسألة يصرح بها كثير من العقلاء من مراجع العرب الجعفرية في العراق ولبنان.

الحلقات التي قدمت خلال الشهر الكريم فيها المادة الدسمة والجرأة العلمية والتفنيد الموثق لمواد ومواضيع شديدة الأهمية، وخرجت بنتائج أجبرت موقع المرجع الشيعي الكبير السيستاني على توضيح مسألة تكفير مخالف الإمامة في موقعه الرسمي على شبكة الإنترنت، بالإضافة لمسائل أخرى شديدة الخطورة والأهمية أظهرت تفاعل الناس العاقلين بشكل إيجابي وحسن، وما هي إلا أيام ويخرج الشيخ الجعفري السعودي حسن الصفار بخطاب يبدي فيه اعتراضه ورفضه الشديد لما حدث في محفل يمثل بعض الشيعة في لندن كان مليئا بالسباب واللعن في حق السيدة عائشة رضوان الله عليها والصحابة رضي الله عنهم، أقدم عليه شيخان محسوبان على الشيعة، ولحقه بعد ذلك الشيخ السعودي حسن النمر وهو ينكر ما حدث في لندن هو الآخر.

هذه النوعية من الخطابات العاقلة التي يجب أن تدعم الجعفرية عندما كانت مذهبا وليس طائفة، مذهبا فقهيا يقدم من خلال الإمام جعفر الصادق وهو الشخص الذي تعلم معه إمام أهل السنة الأول أبو حنيفة النعمان لمدة عامين وقال فيهما قولا جميلا (لولا السنتان لهلك النعمان) وتواصلا معا بشكل راقٍ ومبهر كله احترام للعلم وتقدير للمكانة دون عداوة ولا مغالاة. هكذا كانت الأمور، وما يحدث اليوم من الأطراف هو مبالغة وغلو وعنف وجهل وسياسة.

تحية لكل صوت عاقل وجريء يرغب في إزالة الجهل والتطرف والحقد والغلو والتشدد والتنطع، ولا يوجد أي فريق خالٍ من كل هذا، ولا يوجد أي فريق له الحق وحده الادعاء بأنه وحده على حق، ففي ذلك علو وغلو وكبر أشبه بإبليس الذي طرد من رحمة الله جراء هذا الموقف. فلنتمعن في المعنى ونتدبر. باب الفتن خطير، وتحية لكل من يحاول بجهده وعلمه أن يغلقه.

[email protected]