كيف تقرر ماكينة الرقابة السياسية في واشنطن؟

TT

كانت الولايات المتحدة الأميركية ولا تزال منذ انتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي في نهاية الثمانينات من القرن المنصرم تبرز نفسها في المحافل الدولية بصفتها راعية الشعوب والدول والأخ الأكبر للجميع دون استثناء، وفي الحقيقة فإنها أصبحت فعلا كذلك لوجود متغيرات ومعطيات دولية عديدة مهدت الطريق واسعا أمام أميركا لتكون في نهاية المطاف أقوى وأكبر وأغنى دولة في العالم.

لذا بات طبيعيا أن أي قرار أو إجماع دولي حيال مسالة معينة أو حدث معين ينبغي أن يمر أولا بالضرورة على ماكينة الرقابة السياسية الحساسة جدا في البيت الأبيض والبنتاغون، وذلك بغية التأكد من مدى مطابقته للمواصفات التي تعتمدها أميركا في تعاملها الخارجي مع الآخرين والتي تقضي بوجوب أن تؤخذ مصالح «العم سام» بنظر الاعتبار في أي تحرك دولي بصدد المواضيع المطروحة على بساط البحث أو الإقرار في أروقة الأمم المتحدة على أقل تقدير.

لقد انفردت الولايات المتحدة بالزعامة الدولية دون منازع وهي في رأينا تستحق ذلك لأن خواء عناصر القوة والارتكاز الإقليمي في الأيديولوجيات الحديثة يبرر ذلك ما دام هنالك أنظمة وحكومات سواء عربية أو شرق أوسطية سخرت كل مواردها وإمكاناتها السياسية والإعلامية لخدمة مصالحها لأن هذه المصالح أصبحت في هذه الأيام تشبع البطون الجائعة. وفي كل الأحوال فإن اصطفاف الدول خلف الزعامة الدولية سيعود بالكثير من الفوائد والمزايا السلطوية على تلك الدول في المدى القريب. وأن الإرهاب وهو المعني هنا كمصطلح دولي يصعب الاتفاق على مدلوله من الناحية التشريعية بسبب التناقضات السائدة بين مصالح الدول.

فمن هذه الناحية لا نشك في أن تعريف الإرهاب ستكون صياغته ناقصة أو لنقل مشوهة، أما من الناحية الأخلاقية، فالكل متفق على أن الإرهاب هو من أخطر المشكلات في العصر الحديث ومن المؤسف حقا وجود دول ومنظمات ما زالت تتبنى الإرهاب كأفضل وسيلة وأكثرها فاعلية للترويج لسياساتها غير المقبولة أصلا من قبل المجتمع الدولي. ومن هذا المنظور ينبغي أن نقول أن هنالك تخبطا يعيشه العالم هذه الأيام في خضم الحملة العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان والتي كشفت لنا بشكل لا لبس فيه أن الإرهاب هو أساسا مشكلة ذات طابع خاص واجهت ولا تزال تواجه العالم المتمدن للفترة المقبلة خصوصا مما يستلزم ذلك وضع تصور موضوعي لدوافعه وسلوكيات القائمين به بصورة تضمن أفضل الطرق لمكافحته والحد من تغلغله إلى المناطق التي لا يزال سكانها يجهلون الإرهاب كظاهرة إجرامية والآن تخوض الولايات المتحدة مواجهة لا هوادة فيها ضد الإرهاب الدولي لا سيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وحرب العراق وأفغانستان معلنة بذلك إصرارا قل نظيره في التاريخ المعاصر بين الدول على استئصال شأفة الإرهاب أينما وجد والتعريف به بما لا ينبغي التهاون إزاءه أو التقليل من خطورته على البشرية على كل الأصعدة.

نقول على الولايات المتحدة في الحالة هذه أن تنتهج أسلوبا أكثر جدية وفاعلية في التعامل مع الوتيرة المتسارعة للتطورات الجارية في منطقة الشرق الأوسط قاطبة وأن تتخلى عن أنماط السلوك غير المشجع المتبع من قبلها أحيانا في التمييز بين الدول والشعوب المنكوبة كالشعب الكردي باعتباره ضحية الصراعات والمعادلات الدولية. إذن لا بد من الركون إلى عامل الاعتدال في تقرير حق الشعوب والتميز في تصوير وتقييم مجريات الأحداث كما هي وعدم الانسياق وراء أيديولوجيات وسياسات لفئات معينة عند رسم خطوط التعامل مع الغير وأن الاستمرارية على السير بمحاذاة ربط المصالح بالتوازنات الإقليمية في إبراز وتلميع التحالفات مع ما فيها من تناقضات مبدئية لا تعود إلا بأفدح الأضرار على المجتمع الدولي. إذ لا بد من مراعاة الشرعية الدولية المستمدة من القانون الدولي والأعراف والمثل السامية بين الدول كعنصر من عناصر اتخاذ القرار السياسي والعسكري في حسم حق الشعوب ومعضلات جديدة بضمنها معضلة الإرهاب وحصر إرهاصاتها السلبية في أضيق نطاق وإلى أن يتحقق كل ذلك ليس لنا إلا الترقب والانتظار.

* كاتب كردي من العراق