متى يفقد الرجل وعيه وصبره وذاكرته؟

TT

حدثني أحدهم قائلا: لم أكد أنزل مع زوجتي من القطار متجهين إلى سلالم المحطة، حتى لفت نظري العامل الذي كان يخدّم علينا ونحن في المقطورة، كان يركض نحونا وينادي علينا وبيده شنطة نسائية، وما إن اقترب منا حتى تبين لي أنها الشنطة الثانية لزوجتي - ومشكلة زوجتي أنها لا تخرج إلا ومعها شنطتان واحدة بيدها والأخرى على كتفها -، وما إن رأت هي شنطتها حتى صرخت وكاد أن يغمى عليها من شدة الفرحة والكسوف معا، شكرناه شكرا جزيلا على أمانته وتعبه، وحاولت بشتى الوسائل أن أعطيه وأكافئه بمبلغ ولكنه رفض رفضا قاطعا قائلا لنا بالحرف الواحد: هذا هو عملي ويجب أن أؤديه بشرف، ولكن لدي طلب واحد أتمنى أن تحققاه لي، قلنا له: اطلب.

فاتجه إلى زوجتي يسألها: أريدك يا سيدتي أن تخبريني بالضبط عن مقدار النقود التي في حقيبتك، استغربت زوجتي من ذلك، ولكنها فتحت حقيبتها وأخبرته عن عدد النقود. وزاد استغرابنا أكثر عندما وجدناه يخرج من جيبه دفترا صغيرا ويدون المبلغ خلف أسطر طويلة من الأرقام، وبعد أن انتهى التفت إلينا قائلا: إنني أحسب المبالغ التي أخسرها من جراء أمانتي، ثم رفع قبعته وانحنى أمامنا قائلا: أتمنى لكما وقتا سعيدا، وذهب يركض للحاق بالقطار قبل أن يتحرك.

**

لا أريد أن أكذب ولا أصدق كذلك أحد الأدباء عندما قال:

يتزوج الرجل متى ما فقد وعيه، ويطلق متى ما فقد صبره، ويتزوج من جديد متى ما فقد ذاكرته.

**

في الخارج وعندما كنت أقود سيارتي في منطقة شبه نائية لمحت على نور السيارة فتاة متوقفة على قارعة الطريق، ترفع يدها بالإشارة المتعارف عليها (بالأوتوستوب)، ولا أكذب عليكم أنني أشفقت وعطفت عليها خصوصا أنها كانت ترتعد من البرد، أوقفت السيارة وفتحت زجاج النافذة المقابل لها، وسألتني هل من الممكن أن توصلني بالطريق معك؟!، فقلت لها: على الرحب والسعة، أهلا وسهلا.

غير أنني تفاجأت بها تقول لي: لحظة لو سمحت ممكن أنادي على (ماما) لتركب معنا؟!، فقلت لها: فلتتفضل، فأخذت تنادي أمها التي خرجت من وراء شجرة، وركب الاثنتان، عندها سألت الفتاة: لماذا لم تخبريني من البداية أن أمك معك، ولماذا هي تختبئ خلف الشجرة؟!، قالت لأن البعض عندما يشاهدونني مع والدتي لا يتوقفون، قلت لها: أصابع يدك ليسوا سواسية يا حلوة، وصدقيني إنني فرحان بركوب والدتك معنا أكثر من ركوبك أنت وحدك معي، ودعست بقدمي على (البنزين) لتنطلق السيارة بأقصى سرعة لا يعاقب عليها القانون.

[email protected]