دار قرطبة

TT

في ديسمبر (كانون الأول) الماضي أطلق إمام في نيويورك، الشيخ فيصل عبد الرؤوف، مشروعا لإقامة «دار قرطبة» قرب موقع دمار 11 سبتمبر (أيلول) 2001. أعطاه اسم قرطبة، لأن الحاضرة الأندلسية كانت أحد رموز التعايش الطويل بين الإسلام والمسيحية واليهودية. وطلب الإذن بأن يتضمن المركز مسجدا ومركزا إسلاميا. وفي أغسطس (آب) الماضي وافقت سلطات المدينة على المشروع الذي صار يعرف باسم «الحديقة 51». كان بين الذين رحبوا بالفكرة، مسيحي من أب مسلم، هو باراك أوباما، ويهودي يدعى بلومبيرغ، هو عمدة نيويورك، المدينة الأكثر كثافة يهودية خارج إسرائيل.

تدخلت صحافة المواقع (لكي نميزها عن صحافة الإنترنت). بدل أن تشرح أن هدف «دار قرطبة» هو نشر الحوار، قالت إنه رمز للتحدي واحتقار لضحايا برجي التجارة. بدل أن تشير إلى حوارات فيصل عبد الرؤوف وزوجته مع الإعلام والمسؤولين، ركزت على تصريح صبية ومراهقين أطلقوها في أحياء بروكلين. وأطلقت باميلا غيللر، وهي صاحبة موقع شعبي، كلاما يقول إن موافقة أوباما على المركز تأكيد على أنه لقيط مسلم وابن غير شرعي للزعيم الأسود الراحل مالكوم إكس، رمز العنف في حرب الحقوق المدنية.

العام 2005 كان رسام دنماركي قد نشر رسوما كاريكاتورية مسيئة للرسول (صلى الله عليه وسلم). وتدخل عقلاء الإسلام واستنكروا. لكن مجموعة من مسلمي كوبنهاغن رأت في الارتكاب مناسبة لجولة على العالم الإسلامي، فأضافت إلى الرسمين اللذين نشرا، رسمين وصلا إلى الصحيفة من الرسام نفسه، ولم ينشرا. ثم تولت المواقع نشر رسوم بشعة إضافية، إما صدرت عن موتورين لا مكان لهم في أي مجتمع، وإما صنعت كي تتخذ الحملة دفعا أقوى.

في البداية أكدت الاستفتاءات أن ثلثي الشعب الأميركي يؤيدون إقامة مركز إسلامي حضاري قرب ساحة 11 سبتمبر. بعد تصاعد الحملة، تفيد الاستفتاءات أن ثلثي الشعب الأميركي يعارض ذلك. طبعا، لا رئيس أميركا غيّر موقفه، ولا عمدة نيويورك. فالأول يعرف من التقارير الاتحادية أن ثمة من يغذي حملة الحقد، والثاني يعرف من تقارير المدينة، أن في عداد صفاتها وميزاتها الانحراف نحو الجنون. الفردي والجماعي.

تنحدر وتنحرف القضايا الكبرى عندما تسقط في أيدي ذوي الأنفس الصغيرة. ليس ممكنا لرجل مثل تيري جونز أن يستوعب آفاق رجل مثل فيصل عبد الرؤوف. ولا من الممكن شرح معاني تجربة الأندلس لباميلا غيللر أو مشردي الأحياء في بروكلين، حيث الإسلام هو ما تدرسه الجماعات التي تخصب في دعاوى العنف وتحويل القضايا الرفيعة إلى حرائق صغيرة يمنع عن الوصول إليها أهل المرجعيات الحقيقية والأمناء المكلفون صيانة الدعوة.