حكاية المدينة التي ولدت بها المملكة العربية السعودية

TT

على الرغم من أنها على مرمى حجر من مدينة الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية.. فإن أحدا لم يكن يعرف أو يسمع شيئا عن مدينة «الدرعية القديمة» قبل أن يسجل حي الطريف داخلها تراثا عالميا..

وعلى الرغم من أن معظم أهل الرياض قد نزح من الدرعية قديما.. فإن تاريخ المدينة لم يسجل بعد.. ويجيء تسجيل حي الطريف على قائمة منظمة اليونيسكو كتراث عالمي فرصة لتسجيل آثار وتاريخ الدرعية التي تقع على بعد بضعة كيلومترات إلى الشمال الغربي من الرياض. وكانت الدرعية هي المدينة التي شهدت تأسيس المملكة العربية السعودية، بل وكانت أول عاصمة لها قبل بناء الرياض..

ومنذ أكثر من قرنين من الزمان خرجت الحركة الوهابية الإصلاحية من قلب مدينة الدرعية التي تقوم على ضفاف وادٍ خصب يسمى وادي حنيفة.. ومساكن الدرعية القديمة وقصورها ومساجدها بنيت جميعها بالطوب اللبن واستخدمت في عمارتها جذوع النخيل وسعفه، وأصبحت المدينة مثالا حيا للتجانس بين البيئة وعناصرها.. وعلى الرغم من كثرة الأطلال الأثرية بالدرعية فإن بيوتها وقصورها لا تزال تشهد زهو زمن مضى وولى، ولا تزال حدائقها وارفة تشير إلى مدى طيبة الأرض وعرق الناس.

على أي حال فإنه لا بد من وجود أرشيف تاريخي موثق ليس فقط للدرعية، بل لكل آثار المملكة يكون متاحا للعامة وللدارسين في كل بقاع الأرض وبلغتين أساسيتين، هما العربية والإنجليزية، للتعريف بآثار المملكة وحفاظا عليها من الاندثار..

وأتمنى أن يأتي يوم تقوم فيه البلدان العربية جميعها بعمل ربط بين أرشيفاتها الأثرية والتاريخية لمدنها وآثارها حتى نعمق من مفهوم التراث الحضاري الإنساني العالمي.. لأن أي تراث لأي بلد من البلدان هو ملك للإنسانية كلها، وواجب العالم كله الحفاظ عليه والمساعدة في دفع المخاطر التي تهدده.

وفي مصر لنا تجارب كثيرة سواء في دفع المجتمع الدولي للمشاركة في الحفاظ على التراث الحضاري المصري.. ولعلنا نتذكر جميعا الحملة الدولية التي رعتها منظمة اليونيسكو للحفاظ على آثار منطقة النوبة المصرية التي كانت مهددة بالغرق بعد اكتمال مشروع السد العالي، وتكاتف العالم كله للمساعدة سواء الفنية أو المالية لإنقاذ معابد وآثار النوبة.. كما أن لدينا في مصر الخبرة والتجربة في وضع سياسات إدارة المواقع الأثرية من كافة جوانبها، وعندنا أول إدارة للآثار الغارقة، وقمنا بتدريب أثريين على الغوص في البحار والأنهار لتسجيل وانتشال الآثار الغارقة، وهناك بلدان عربية تحتاج لمثل هذه الإدارات، منها على سبيل المثال سلطنة عمان التي لا يزال تراثها البحري لم يكتشف بعد..!

لقد أصبح التكامل بين بلدان العالم العربي شرقا وغربا ضروريا ومهما للحفاظ على تراثنا الحضاري والثقافي، وكذلك الوقوف يدا وصوتا واحدا في المحافل الدولية للدفاع عن تراثنا ضد محاولات كثيرة من دول معروفة للطمس على هذا التراث..

أخشى ما أخشاه الآن هو أن تتصارع يد العمران الحديث إلى الدرعية القديمة فتتبدل معالمها، خاصة بعدما قرأت على موقع السفارة السعودية في مصر عن مشاريع لتمهيد ورصف طرق الدرعية لتسهيل النشاط السياحي، وهو أمر جد خطير له آثار سلبية كثيرة.. فنحن في مصر نقوم الآن بنزع الطرق المرصوفة بالإسفلت وتغييرها إلى أصولها الأولى لكي نمنع مرور السيارات والحافلات بها ونجعلها متاحف مفتوحة للزيارة والمشي.. ولنا في مشروع القاهرة التاريخية خير مثال.