القسّ المبتذل ومسؤوليتنا

TT

مرّ السبت الموعود على خير..

لم يحرق القسّ الأميركي المغمور تيري جونز نسخا من القرآن، بعد أن تراجع عن تنفيذ تهديده بتلك الفعلة في يوم ذكرى هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول).

مرّت الذكرى الموعودة دون نكسات من نوع ما كان جونز قد لوح بتنفيذه، لكن يبقى السؤال ملحّا: كيف لشخص أطلق على نفسه لقبا دينيا لم يمنحه إياه أحد أن يجعل الولايات المتحدة بأسرها تحبس أنفاسها ومعها أنفاس كثير من دول العالم؟

لا شك أن الخيار كان دقيقا، فكيف يمكن تغطية حدث يمكن أن تكون له انعكاسات عنيفة واسعة دون تظهيره؟ للأسف، في عصر أخبار الإثارة والإعلام الاجتماعي والتواصل الكوني الإلكتروني فإن هذا أمر متعذر. مع إقرار الجميع بأن جونز شخص لا يستحق الحدّ الأدنى من الاهتمام، لكن إهمال الخبر هو خطأ صحافي أيضا.

من ضمن ما ظهر من سيرة أقل من عادية للرجل، تبين أن شهادة الدكتوراه التي ادعى حيازتها لا سجل لها في الجامعة التي قال إنه درس فيها. تمكن جونز بملامحه الغريبة والبليدة، والذي بالكاد يتبعه خمسون شخصا، أن يصبح حدثا وطنيا أميركيا وعالميا وأن تتسابق كبريات الشبكات الإخبارية والإعلامية على تناقل هذيانه! تمكن هذا المراوغ أن يلعب على مدى أيام بأهم وأعرق وسائل الإعلام في بلده.. جونز وفي أحد تصريحاته التي باتت خبز الإعلام الأميركي والعالمي أعلن صراحة أنه لم يسبق له أن قرأ القرآن.

أليس جونز، الذي هذه حاله، مرادفا لكثير من شذاذ الآفاق مدّعي حمل لواء الإسلام على بيادق الدم؟ فرجل واحد من هؤلاء بإمكانه أيضا أن يجذب اهتمام وسائل الإعلام في العالم أجمع. ألم تكن هذه حال كثيرين من أصحاب الفتاوى أمثال قتلة «ميكي ماوس» و«باربي»؟

على محركات البحث الإلكترونية مثل «غوغل»، يمكن بسهولة الحصول على آلاف، بل ملايين النتائج المتعلقة بتيري جونز. كيف لا وقد أجبر الرجل الرئيس الأميركي باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون والجنرال ديفيد بترايوس على التعليق والردّ على ما يقوله والحذر من تبعاته على أرواح الأميركيين؟

تمكن جونز من التلاعب بالإعلام، بل تمكن من جعل الإعلام رهينة حركته وأقواله. لقد أصبح تيري جونز عَلما بعد أن كان نكرة.. الفضل طبعا يعود إلى الهوس الإعلامي الذي جعل من شخص هامشي صاحب سطوة ونفوذ يشعر الرأي العام أن عليه التعامل معه وتحمّل تبعات أفعاله.

إنه تماما ما يثير القلق والتوجس.. فالإعلام هو بمثابة الهواء الذي يبقي أشخاصا تافهين وهامشيين أمثال جونز أحياء. لكن أين مسؤوليتنا نحن أصحاب الثقافة المستهدفة بفعلة جونز من هذه السهولة التي يمكن لأمثال الأخير أن يستقطب كل هذا الاهتمام؟ إذ إن العالم خاف أيضا من ردّ فعلنا حيال عمل سخيف من هذا النوع.

diana@ asharqalawsat.com