هناك بصيص أمل في نهاية النفق المظلم.. ولكن!!

TT

هناك توافق، وليس اتفاقا، على أن تاريخ السادس والعشرين من سبتمبر (أيلول) الحالي سيكون حاسما بالنسبة للمفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية المباشرة التي انطلقت في واشنطن في الثاني من هذا الشهر نفسه؛ فإما أن يلتزم الإسرائيليون بتجديد وقف الاستيطان بكل أشكاله، إن في القدس الشرقية أو في المستوطنات الكبيرة، أو أن الفلسطينيين - حسب ما هدد به محمود عباس (أبو مازن) وتوعد أكثر من مرة - سينسحبون من هذه المفاوضات «وليحصل بعد ذلك ما سيحصل».

لكن، ورغم إعلان اليمين الإسرائيلي الأكثر تطرفا حالة الاستنفار القصوى لقطع الطريق على هذه المفاوضات ووأدها وهي في بدايات عمرها، وكذلك رغم احتمال أن يحل يوم السادس والعشرين من سبتمبر والإسرائيليون متمسكون بعدم تجديد مهلة وقف الاستيطان، فإن هناك مؤشرات إيجابية على إمكانية أن يبقى طريق عملية السلامة آمنا سالكا من أهمها استمرار «قوة الدفع»، وهذا التعبير للرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات أمطر الله تربته بشآبيب رحمته، بالوتيرة نفسها التي بدأت فيها في واشنطن قبل أيام.

فالاتصالات المكثفة بين الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقيت في تصاعد متواصل منذ العودة من واشنطن بعد الجلسة الأولى لانطلاق المفاوضات المباشرة، وهناك معلومات عن تفاهمات وليس اتفاقات يجري تحقيقها ليس بالنسبة لمسألة الاستيطان فقط، وإنما أيضا بالنسبة لقضايا المرحلة النهائية، ثم وإلى جانب هذا فإن الأميركيين بدءا بالرئيس باراك أوباما ووصولا إلى وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون والموفد إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل استمروا في التعاطي اللصيق مع هذا الموضوع بالحماس نفسه «وبقوة الدفع» إياها التي أوصلت الطرفين بعد طول انقطاع إلى الجلوس حول طاولة التفاوض في الخارجية الأميركية.

وفي هذا الاتجاه، فإن لقاء يوم الثلاثاء الماضي بين أبو مازن ونتنياهو في شرم الشيخ برعاية الرئيس محمد حسني مبارك ومشاركة هيلاري كلينتون الذي من المفترض أن يُتبعَ بلقاء ثنائي بين الرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء الإسرائيلي في القدس (الغربية) ولقاء آخر بين هذين المسؤولين في أريحا قد جاء كمحطة رئيسية على طريق المفاوضات المباشرة التي من المؤكد أنها ستكون شائكة وطويلة، والتي إن لم يحافظ الأميركيون على قوة الدفع التي أطلقت هذه المفاوضات في واشنطن فإنها ستصبح غير نافذة وسينهار كل شيء في لحظة مأساوية تفتح أبواب الشرق الأوسط أمام احتمالات كثيرة ستكون كلها مدمرة وخطيرة.

وهنا فإن ما تجدر الإشارة إليه هو أن المعلومات المتسربة من إسرائيل عبر قنوات دبلوماسية موثوقة تتحدث عن أن ما يقال في العلن، إن من قبل الفلسطينيين أو من قبل الإسرائيليين، لا يعبر عن حقيقة ما يجري في اللقاءات السرية خلف الأبواب المغلقة. وهذا يعني أن بعض هذا الذي يقال في العلن هدفه «تنفيس» احتقانات المتشددين في كلا الطرفين ليتفاوض المتفاوضون بهدوء وبعيدا عن ضغط الشارع الفلسطيني والشارع الإسرائيلي.

على سبيل المثال، فإن مماشاة الشارع الإسرائيلي المتأثر بتمسك اليمين الأكثر تطرفا بعدم تجديد فترة وقف الاستيطان التي تنتهي في السادس والعشرين من هذا الشهر تقتضي أن يقول نتنياهو في العلن غير ما يقوله في السر وخلف الأبواب المغلقة، وهذا ينطبق على أبو مازن الذي يجد نفسه، وهو ينهمك في مفاوضات قاسية ومعقدة وشائكة، يواصل التأكيد على أنه سينسحب من هذه المفاوضات إذا واصل الإسرائيليون الأنشطة الاستيطانية، وأنه سيضطر إلى التنحي ومغادرة موقع المسؤولية كرئيس للشعب الفلسطيني إذا واجهه الأميركيون وغير الأميركيين بأي ضغوطات لحمله على مواصلة التفاوض مع استمرار إسرائيل بالنشاط الاستيطاني.

وفي هذا المجال فإنه لا بد من التذكير بأن إيهود باراك هو المسؤول المباشر عن النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية وليس بنيامين نتنياهو. وهذا يعني أنه قد يكون هناك اتفاق غير معلن بين الفلسطينيين والإسرائيليين على وقف الاستيطان عمليا بعد السادس والعشرين من الشهر الحالي بتعليمات من وزير الدفاع الذي هو صاحب الصلاحية بالنسبة لهذا الأمر، وترك رئيس الوزراء بعيدا ليكون أكثر قدرة على الذهاب مع عملية السلام على أساس حل الدولتين إلى النهاية، وذلك على غرار ما كان فعله مناحم بيغن بالنسبة لاتفاقيات كامب ديفيد التي اقتضى واقع الحال في ذلك الحين كما هو الآن أن يوقعها على الطرف الإسرائيلي مسؤول لا يستطيع اليمينيون والمتطرفون المزايدة عليه لا في اليمينية ولا في الحرص على ما يعتبر حقوقا إسرائيلية لا يجوز التفريط فيها.

وبهذا، فإنه يمكن القول إن الأمور - منذ أن انطلقت المفاوضات في الثاني من هذا الشهر وحتى الآن - تسير، وإن بصعوبة في الاتجاه الصحيح، وإن المتابعة الأميركية الحثيثة واللصيقة تعزز التوقعات الإيجابية بحذر التي تتحدث عن إمكانية تجاوز عقبة الأنشطة الاستيطانية على أساس الاستجابة الإسرائيلية لما يطلبه الفلسطينيون ولكن من دون إعلانات ولا بيانات، والتي تتحدث أيضا عن إمكانية التفاهم على الإطار العام للحل المنشود الذي يعالج مسألة قضايا المرحلة النهائية، والذي يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة إلى جانب الدولة الإسرائيلية، مع التفاهم على البعد الزمني لهذه العملية الصعبة والمعقدة.

وهكذا، وخلافا للانطباعات السوداوية التي يجري تداولها في العلن، فإن مجريات الأمور تشير إلى وجود بصيص أمل فعلي في نهاية النفق المظلم. ولعل ما يعزز بصيص الأمل هذا أن هناك توقعات، وليس معلومات، تتحدث عن أن الأميركيين يمارسون ضغطا على الطرفين، وأنهم لحمل الإسرائيليين على التخلي عن بعض عنادهم وعن تمسكهم بما يعتبرونه ثوابتهم التي لا يستطيعون التنازل عنها فإنهم يؤكدون أنه قبل اللجوء إلى العمل العسكري ضد إيران، إذا اقتضت الضرورة ذلك، لا بد من إحراز تقدم فعلي بالنسبة لإنهاء الصراع في الشرق الأوسط، إن لجهة القضية الفلسطينية أو لجهة القضايا الإقليمية الأخرى.

وبهذا، فإنه يمكن الجزم وبلا تردد بأن هناك ضوءا خافتا في نهاية النفق المظلم بالفعل. لكن - ومع ذلك - فإنه من المبكر جدا الحديث عن نجاحات مضمونه تفضي إلى الحل الشامل المنشود. فالطريق لا يزال في بدايته، وهناك تداخلات صعبة وتعقيدات كثيرة. ولعل ما يزيد في هذه التداخلات والتعقيدات أن الإسرائيليين منقسمون على أنفسهم، وأنهم باتوا موزعين بين تيارات وأحزاب متناقضة ومتعارضة جدا في المفاهيم والتوجهات. والمؤسف حقا أن واقع الساحة الفلسطينية في ظل هذا الانقسام المخزي أسوأ بكثير من واقع الساحة الإسرائيلية.