كي لا يشعل المهووسون الحرب بين الشرق والغرب

TT

لم يكن ينقص التوترات والتصادمات المتواصلة بين الغرب عموما والولايات المتحدة، تخصيصا، وبين العالم الإسلامي والمسلمين، منذ 11 سبتمبر (أيلول) 2001، سوى هذا المعتوه الأميركي الذي هدد بحرق نسخ من المصحف الشريف، والضجة التي أثيرت حول بناء مركز ديني - ثقافي في نيويورك. فكأنما هناك «من» يحرص على صب زيت الخلافات والحزازات الدينية على نار النزاعات السياسية، التي أشعلت أكثر من حرب داخلية وأهلية في أكثر من بلد إسلامي، وباتت تهدد السلام العالمي. وإذا كان من السهل اتهام إسرائيل بالعمل على توسيع هوة الخلافات والنزاعات بين الغرب والعالم الإسلامي، فإنه من الصعب إنكار مسؤولية الجماعات المتطرفة، الإسلامية والغربية، في تعميق تلك الهوة. ولا ننسى، بالطبع، دور وسائل الإعلام، وتنافس الأحزاب والسياسيين على الحكم، في كل البلدان، في استغلال تلك الحرائق، للوصول إلى الحكم أو للبقاء فيه.

لقد اجتاز العالم هاتين الأزمتين الأخيرتين، باتباع طريق الحكمة والتمسك بالمبادئ والقانون والمنطق السليم. ولكن هل يكفي ذلك لتلافي الأزمات الكامنة والقادمة إن لم تعالج أسباب نشوئها في العمق؟

إن المتطرفين والمتشددين والمتعصبين والأصوليين والإرهابيين، موجودون في كل الدول والأديان والطوائف والمذاهب والأحزاب. وهم لا يعيشون وينشطون إلا مع الأزمات وفيها وبها. وعلى الرغم من أنهم عدديا يشكلون أقلية ضئيلة من الشعب، فإنهم نجحوا، بالأعمال العنفية وبالخطاب الناري التحريضي، إلى حد كبير، في التأثير على العلاقات بين الشعوب، وعلى سياسة بعض الدول الكبرى الداخلية والخارجية. والنموذج الصارخ على ذلك هو ما حصل في 11 سبتمبر، وبعده، و«نقل العالم بأسره من حال إلى حال»، على حد قول أكثر من مفكر ومراقب. ولم تنجح كل التدابير الأمنية، والحملات العسكرية، بل والحرب الشاملة، في اجتثاث التطرف والقضاء على الإرهاب، فرديا كان أم جماعيا. ولا يكفي التصريح بأن «الغرب والولايات المتحدة ليسا في حرب ضد الإسلام والمسلمين»، لكي يتراجع المتطرفون أو تتصافح الأكثريات المعتدلة في كل الشعوب. بل لا بد من تحقيق ثلاثة أمور:

الأول هو المزيد من التعاون بين حكومات الدول الكبرى والدول ذات الدور أو الإشعاع الإقليمي، في معالجة كل ما يتعلق بالتطرف الديني والسياسي، في إطار الأمم المتحدة وفي اتفاقات دولية وثنائية، بالإضافة إلى المزيد من التنسيق والتعاون بين رجال الدين والمؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية، لتحرير مفهوم الأديان من دعوات التطرف والعنف والعداء، والدعوة إلى السلام والتعاون والود بين الشعوب.

والثاني وهو تصفية الحروب والنزاعات التي تغذي الحرب الباردة بين العالمين العربي والإسلامي، وفي طليعتها الصراع العربي - الإسرائيلي. ودور الولايات المتحدة في هذا المجال أساسي وحاسم، ولا عذر لواشنطن، بعد اليوم، ولا مصلحة، في تدليع إسرائيل وتشجيعها على تحدي العرب والمسلمين، كما تفعل منذ أكثر من ستين عاما.

أما الأمر الثالث فيتعلق بدور وسائل الإعلام في تضخيم الأحداث واستغلالها. فلولا بعض قنوات التلفزيون هل كان بإمكان بعض الغلاة الجهاديين اللاجئين إلى مغاور في جبال باكستان أن يوصلوا أصواتهم إلى العالم؟ هل كان قس أميركي مهووس، قادرا على إخراج تظاهرات للجماهير الإسلامية وإشغال العالم بهوسه الذي - لولا وسائل الإعلام - ما كان ليسمع به أكثر من عشرة أو عشرين إنسانا؟! صحيح أن وسائل الاستعلام والإعلام الحديثة فتحت أعين البشر على كل ما يجري في العالم، وأنه ليس بالسهل إخفاء الوقائع والحقائق عن الشعوب، ولا تقييد حرية الرأي والحريات العامة في العالم. ولكن من حق الشعوب أن تحمي نفسها من المستغلين لنزاعاتها وتحريضها على بعضها البعض ودعوتها إلى التقاتل. ولا بد من التوصل دوليا ودستوريا وقانونيا إلى «نظام» إعلامي - سلوكي - أخلاقي، يخفف من الدور السلبي الذي تلعبه وسائل الإعلام والاستعلام. وإن كنت أعترف بصعوبة ذلك.

بينت الأحداث الأخيرة مدى التوترات المستمرة في الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، رغم مرور تسع سنوات على عملية 11 سبتمبر، ورغم الانسحاب الأميركي من العراق. كما بينت كيف أن بضعة أفراد مهووسين أو متوترين قادرون على نقل توترهم إلى كافة أنحاء المعمورة. ويدري الله وحده ما كان سيحدث لو أن ذلك المهووس لم يرجع عن فكرته المجنونة. ولا بد، قبل أن يفاجئنا متطرفون أو مهووسون آخرون، بمشروع فتنة أو عملية إرهاب جديدة، تجر العالم إلى أزمة أو حرب جديدة، من أن نفعل شيئا ما، يقينا ويقي العالم من شرها.