أركون.. تميز عن الجميع في منهجه لكنه داعية علماني متشدد

TT

محمد أركون هو واحد من خمسة أو ستة كتبوا في الفكر الإسلامي، القديم والحديث، في الأربعين سنة الماضية، وهم معروفون، منهم عبد الله العروة، محمد عابد الجابري، حسن حنفي، ومحمد عمارة، وعلى رأس هؤلاء جميعا محمد أركون، لأنه أقدمهم كتابة، فهو يؤلف منذ الستينات. وحينما أتحدث عن خمسة أو ستة دون غيرهم، فإنما أقصد من يملكون أطروحات في تاريخ العقل الذي يسمونه «عربيا» تارة، و«إسلاميا» تارة أخرى. محمد أركون متميز عنهم كلهم في المنهج، فغرضهم عموما - ما عدا محمد عمارة، لأنه إسلامي - مع اختلاف مناهجهم، كيفية الخروج من الموروث والدخول في الحداثة، لذلك كل منهم قرأ التراث، هناك من أراد تجاوزه، وثمة من سعى للتحرر، وكل استخدم التوصيف الذي يناسبه. الجابري وأركون متناظران مختلفان في منهجية الخروج من التراث. فمحمد عابد الجابري يعتمد، لأنه ماركسي في الأصل، «الحاكمية التاريخية» و«الابستمولوجية» للنص من أجل التحرر منه، أما أركون فيريد تفكيك النص، لأنه يعتبره كامنا في تلافيف العقل، وكسره في الخارج يعني كسره في الداخل أيضا.

بدأ محمد أركون فيلولوجيا محترما، في كتابه عن مسكويه «نزعة الأنسنة في الفكر العربي»، لكنه ما لبث في أواسط السبعينات أن نقد الاستشراق، وأطلق ما سماه «الإسلاميات التطبيقية». وهي نظرية طبقها على نصوص في القرآن، ونصوص من القرن الرابع، وما شابه. أما في الثمانينات فنلحظ عنده نضوج تحطيم الدوغمائيات والهجوم على الأرثوذكسية السنية، وعمل بعد ذلك ثلاثين عاما على هذا النهج مع خروج منه، في بعض الأحيان، ودخول في نقاش حاد مع العنصريين الغربيين.

لا أنكر أن محمد أركون إنساني كبير، لكن ثمانين في المائة من كتاباته ومحاضراته، وهو رجل مكثر، تدور حول تحطيم الدوغمائية والأرثوذكسية السنية، واضعا برامج لذلك. كما شغله موضوع كيف نخترق المفكر فيه، باللامفكر فيه، وكرر كثيرا خلال العشرين سنة الأخيرة، في كتاباته، أنه يجب أن نفعل كذا ولا نفعل كذا، ولكننا لا نرى تطبيقاته العملية على ذلك.

ما أقوله ليس تسخيفا أو تقليلا من شأن أركون، فهو مناضل كبير، لكن مشكلته تحديدا في نضاله الذي حوله إلى داعية علماني متشدد، مثل الإسلاميين المتشددين، لذلك كان الإسلاميون يكرهونه ويكرههم، وعنده طلاب مناضلون مثله، يحملون أفكاره وينافحون عنها.

في السنوات العشر الأخيرة، عدل أركون مواقفه بعض الشيء، عاد إلى كتبه الأولى، وصار انتقائيا، لا ينكر أهمية الاقتداء ببعض ممن كان لا يرى فيهم قدوة في فترة ما، معتبرا أن العودة إليهم تشكل مجرد انطلاقة أو بداية.

كان مثلا، في السابق يهاجم الجابري، لأنه مفتون بابن رشد وابن سينا، لكنه عاد وكتب عنهما وعن ابن خلدون كلاما جيدا. كتبه الثلاثة التي ترجمت إلى العربية وصدرت مؤخرا في عامي 2009 و2010، نرى فيها بوضوح عودة إلى روح كتبه الأولى، وميله لشيء من العودة إلى التراث بأسلوب انتقائي مع ليونة تجاه ابن خلدون وابن رشد، على سبيل المثال، من خلال اعتقاده بإمكانية العودة إلى بعض من أفكارهما والاستفادة منها، لكنه بقي مهاجما للعقيدة السنية دون أن يطرأ أي تعديل على وجهة نظره هذه.