إمبراطور في زيارة

TT

«انقضت 40 عاما من الانتظار»، هذا ما جاء في عنوان رئيسي بصحيفة «طهران إمروز» هذا الأسبوع. ولكن، لم تتناول القصة - التي جاءت تحت هذا العنوان - عودة «الإمام الغائب» أو أي شخص مرتبط به. ولكن كانت تتحدث عن عودة كورش العظيم، ملك الملوك الأخمينيين الذي أسس الإمبراطورية الفارسية قبل 2569 عاما.

بالطبع لم يعد كورش بنفسه إلى أرض الوطن. ولكن، يتناول الموضوع اسطوانة من الصلصال، وهي واحدة من الأشياء القيمة داخل المتحف البريطاني في لندن.

ويوجد على الاسطوانة كلام منقوش باللغة الفارسية القديمة كتب بطريقة تشبه قرارا ملكيا. وقد تمت ترجمة الكلام قبل نحو 50 عاما، ولكن لم تثبت علاقة كورش بالاسطوانة حتى عام 1970. ويجمع الخبراء حاليا على أن الكلام المنقوش يتضمن أول إعلان عن حقوق الإنسان، وفي الوقت نفسه تأكيدا على حرية الدين والمساواة بين البشر.

وفي عام 1970، وعندما كان الشاه على وشك الاحتفال بالمئوية الخامسة والعشرين لإمبراطورية كورش، حاول إقناع البريطانيين بإرسال الاسطوانة إلى إيران من أجل عرضها. ولكن رفض البريطانيون ذلك.

وهكذا بدأت الـ«40 عاما من الانتظار» التي أشارت إليها وسائل الإعلام الإيرانية. وفي الشهر الماضي، وافق المتحف البريطاني على إقراض الاسطوانة إلى المتحف الإيراني القديم داخل طهران للعرض بصورة مؤقتة.

ولا يوجد في الوقت الحالي طبعا شاه داخل إيران، بل «مرشد أعلى»، وهو ملا يرفض كورش وكل ما يرمز إليه. ربما كانت لكورش إمبراطورية تمتد من الهند إلى ليبيا قبل 25 قرنا من الزمان، ولكن لا يوجد في الوقت الحالي شارع واحد يحمل اسمه داخل وطنه.

لقد كان روح الله الخميني، وهو الملا الذي أسس الجمهورية الإسلامية، ينظر إلى إيران قبل الإسلام على أنها أرض جاهلية تعيش في ظلمات. ويأتي ذلك مضادا لنظرة كثير من الفلاسفة والمؤرخين، فقد كان زينفون، وهو تلميذ لسقراط، يصف كورش بأنه حاكم مثالي. وكان هيغل، الفيلسوف الألماني الذي يعود إلى القرن التاسع عشر، يعتقد أن التاريخ بدأ بتأسيس إمبراطورية كورش. وذهب الدبلوماسي الفرنسي غوبينو إلى ما هو أبعد، حيث أشار إلى أن الحضارة الحديثة بدأت بمجتمع يحكمه القانون والنظام أسسه الإمبراطور الأخميني.

ولدى الملالي رأي مختلف، ونشر آية الله صادق خلخالي، ويمكنني وصفه بأنه هيغل الخمينية، ورقة تصف كورش بأنه «مغامر شاذ جنسيا عبد النار بدلا من الله».

ولكن يبقى لاسم كورش وذكراه صدى في الأنفس الإيرانية، ويقول مسؤولون في المتحف داخل طهران إنهم لم يروا مثل هذا العدد الكبير من المواطنين المقبلين على معرض مؤقت. وينتمي البعض من داخل الصفوف الطويلة المحتشدة إلى طلاب المدارس، معهم مدرسوهم الذين جاءوا ليروا أول إعلان عن حقوق الإنسان. وحسب ما تفيد به التقارير من طهران، تأتي حافلات ممتلئة بالمواطنين من المحافظات المختلفة للترحيب بالعودة المؤقتة لرمز ارتبط بكورش.

لقد وصلت اسطوانة كورش وإيران وسط نقاش حول البحث عن الذات و«طبيعة إيران».

ومثلما أشرنا في مقال سابق، فقد أثار هذا النقاش قبل أسابيع قليلة أسفنديار مشائي، الذي يعتقد كثيرون أنه المرشد الفلسفي للرئيس محمود أحمدي نجاد. وقبل ثلاثة أعوام ناقش مشائي العودة المؤقتة لاسطوانة كورش عندما كان يشغل منصب مساعد الرئيس لشؤون الثقافة.

وبحكم ذلك، ساعد مشائي على تنظيم معرض الإمبراطور المنسي الشهير داخل المتحف البريطاني، وبذلك أثار الاهتمام بالحضارة الإيرانية القديمة.

ويقول مشائي إن الإسلام دين وليس ثقافة وإن الدول الإسلامية لديها ثقافاتها الخاصة. وبالطبع، هذا صحيح مع الأديان والثقافات الأخرى، فمواطنو النرويج وزيمبابوي من المسيحيين البروتستانت، ولكن لا يمكن أن نقول إن لهم الثقافة نفسها، ولا يمكن لأحد أن يقول أيهما يسمو بثقافته على الآخر.

وبالنسبة لإيران، فإن التأكيد على الثقافة الإيرانية، بعيدا عن تقليل أهمية الإسلام، ربما يعزز من ذلك بالفعل. والإشارة، مثلما يفعل خلخالي والخميني، إلى أن الإيرانيين كانوا «برابرة جهلة يعيشون في الظلام» قبل أن يعتنقوا الدين الإسلامي لن تروج للإسلام. ولكن، القول بأن الإيرانيين كانت لديهم ثقافة سامية عندما اعتنقوا الإسلام ربما يعد مدحا له.

ولكن، الملالي الذين بدأوا يشعرون بالقلق من تراجع نفوذهم بوتيرة بطيئة ولكن بصورة مضطردة لصالح رفاقهم ومنافسيهم - جنرالات الحرس الثوري الإيراني - غير سعداء بعودة الاسطوانة، ويتهمون مشائي بأنه «يحب إيران أكثر من الإسلام».

وقد حذر ملالي بارزون مثل آية الله مصباح يزدي، مرشح الفصيل الراديكالي ليكون «المرشد الأعلى»، وآية الله حجتي كرماني، رئيس مجلس الأوصياء القوي، علنا من «تيار القومية الخطير».

وانتقدت صحيفة «كيهان»، اليومية التي تروج لآراء الراديكاليين، «هؤلاء الذين يعبدون بقايا القرون القديمة مثل بيرسيبوليس، التي كانت عاصمة الأخارنيون بالقرب من شيراز، ومعبد أناهيتا، إلهة المياه غرب طهران، ومكان الميلاد المفترض لزرادشت قرب تبريز».

لقد استخدم الجيش الإيراني قبل 8 أعوام خطابا قوميا من أجل تهميش الملالي والاستحواذ على السلطة لصالحه. وكانوا يؤدون ذلك في إطار تقليد معروف سيطر بموجبه خطابان على الساحة السياسية الإيرانية؛ أحدهما الخطاب الشيعي، الذي روج له منذ القرن السادس عشر ملالي كان علي شريعتي أحدهم في القرن الماضي. وفي هذا الخطاب، لا مجال لكمال التاريخ الإيراني والتنوع الثري للثقافة الإيرانية.

أما الخطاب الثاني فاكتسب سمة قومية، ويتعامل معها كعنصر واحد وسط كثير من العناصر، كما لا يتجاهل دور الإسلام في التاريخ الإيراني، ودائما ما كان يحظى هذا الخطاب بدعم النخبة العسكرية. وعلى سبيل المثال، حاول نادر شاه في القرن الثامن عشر - وهو مسلم سني، عندما أصبح المذهب الشيعي مسيطرا داخل إيران - إعادة تقديم نفسه كحامل مشعل العظمة الإيرانية القديمة من أجل تبرير غزوه للهند ونهب نيودلهي. ولكن، لا يعد الجيش المروج الوحيد للخطاب القومي. فقد شارك كثير من المثقفين الإيرانيين في هذا الخطاب على مدى قرنين.

وفي الوقت الحالي، هناك العشرات من الأندية والمنظمات غير الحكومية التي تروج لقيم قومية؛ ومن بينها تطهير اللغة الفارسية. ويعزز من عودة الخطاب القومي ازدياد استخدام أسماء فارسية قديمة للمواليد الجدد. ويعد كورش من أكثر الأسماء شهرة.

لقد كانت الثورة الخمينية مشروعا تمكن من تحقيق النجاح من خلال تحالف معاد للقومية. وكان جناحاها - الملالي والماركسيون - كارهين للقومية الإيرانية. وحرصت المجموعات الإسلامية والماركسية التي تعاونت خلال الثورة على إبعاد كلمة «إيران» و«قومية» عن قاموسهم. واستخدم الملالي كلمة «إسلامي» لوصف شيء، بينما فضل حلفاؤهم الماركسيون كلمات مثل الشعب والجموع. ومع اختفاء الماركسية، تُرك المنافسان التقليديان - الإسلامية والقومية الإيرانية - مرة أخرى ليواجها بعضهما بعضا.