الضجة المثارة حول بناء المسجد

TT

لا شك أن الضجة المثارة حول بناء مسجد بالقرب من موقع مركز التجارة العالمي السابق في نيويورك تعتبر أمرا مخزيا، ولكن أميركا لم تكن يوما عذراء، فقد اضطهدت الكاثوليك واليهود الأوائل، وكانت دائما ما تنظر إلى الطقوس الدينية للوافدين الجدد على أنها ممارسات وحشية. ويمكن للمرء أن يعجب فقط لشجاعة عمدة نيويورك مايكل بلومبيرغ في دفاعه عن مشروع المسجد. وقد شعر المرء بالتعاطف مع مسلمي أميركا في ظل مناخ الشك الذي خلقة الانتهازيون السياسيون حول الجدل المثار بشأن هذا المشروع.

ومع ذلك فهناك أسئلة مهمة هنا يتعين على المسلمين في الولايات المتحدة والأقليات في جميع بلدان العالم مواجهتها. أولا، ألم تقوموا بالفعل بالانتقال إلى منزل جديد، والانضمام إلى عائلة جديدة، ألا ينبغي أن ينطوي ذلك على الكثير من جهود التكيف؟ وأبعد من ذلك، هل انحزتم بقوة وعلانية مع هذه العائلة الجديدة وقيمها ضد خصومها؟

ثانيا، ما مدى استعدادكم للموجهة والتغلب على سوء الفهم والإهانات التي تصيب جميع الغرباء في كل الأراضي الغريبة؟ هل كنتم تتوقعون أن يكون الأمر سهلا وسلسا منذ البداية؟ ألم تسمعوا أن الولايات المتحدة هي في كثير من النواحي دولة أصولية بكل ما تحمله الكلمة من عيوب؟ وليس قيام واعظ مجنون في فلوريدا بالتهديد بحرق القرآن يوم 11 سبتمبر (أيلول) سوى مثال واحد على سلسلة من الأعمال البشعة والوحشية التي تعود إلى مسيرة الحركة النازية الأميركية التي شاهدتها ولاية إيلينوي منذ جيل واحد.

وفي ديمقراطيات تموج بالاضطرابات كما في الولايات المتحدة، دائما ما يعلي صوته من يريد أن يلفت الأنظار إليه. إذا كنت أميركيا مسلما وخفضت رأسك والتزمت الصمت وتجنبت إدانة تنظيم القاعدة والمفجرين الانتحاريين، فلماذا لا يشك المتطرفون المجانين في أنك تتعاطف مع جرائم الانتحاريين؟

ولكي تكون عقلانيا، كما ينصح بذلك أهل الاعتدال، من فضلك تجنب التعميم. لكن المتعصبين والعنصريين وأولئك الذين يحملون أجندة أهلية يقومون بالتعميم. فقد قاموا بالتعميم عندما أرسلوا الأميركيين من أصول يابانية إلى معسكرات الاعتقال. والزمن يتغير في جميع أنحاء العالم؛ ولم يعد التسامح مع الثقافات المختلفة الموضة السياسية. «كن هولنديا أو ارحل من هولندا»، وهذا من هولندا المتسامحة! من المحزن القول، إنه ما دام هناك تهديد جهادي محتمل، والمسلمون في أميركا لا يصرخون ضد العنف الجهادي، فإن الولايات المتحدة ستكون مكانا حساسا للمسلمين كما كانت بالنسبة للأميركيين من أصول ألمانية خلال الحربين العالميتين.

وبالنسبة للغرباء - وهم في هذه الحالة المسلمون في أميركا أو غيرها من البلدان غير الإسلامية - ليس أمامهم سوى خيارين بديلين لحزم أمتعتهم والعودة إلى بلادهم: الاندماج أو التواري خلف الأغلبية والتكيف مع التشبث بالمعتقدات الأساسية والتقاليد الخاصة بهم. هذا هو أسهل طريق، ولكنه ليس طريقا خاليا من العوائق، فستشعرون بالتعصب حتى لو لم يوجه إليكم بشكل مباشر وستحتاجون إلى امتصاصه وتجاوزه.

والخيار البديل هو رفض التكيف. وفي عالم اليوم، فإن هذا الموقف سوف يعرضكم للهجوم العنيف، والفخر والاعتزاز الذي تشعرون به ربما لا يتناسب مع حجم الضرر الذي سوف تتعرضون له. وفي النهاية قد تصبحون ممتلئين بالكراهية، مثل الشباب البريطانيين الذين وضعوا القنابل في مترو الأنفاق. من الذي يريد أن يمتد سخطه إلى هذا الحد؟

قلة قليلة من المسلمين في أميركا اليوم سوف يستسلمون ويجلسون متحيرين بينما يستمر الجدل حول مشروع المسجد، أكثر من الذين فعلوا ذلك من المعتقلين اليابانيين أو اليهود في الساحل الغربي الذين كان يطلق عليهم السياسيون البارزون في عشرينات القرن الماضي «كيكس». ويتعين على معظم الأميركيين أن يدركوا أنه مع مرور الوقت، ومع بروز الإسلام في أميركا، فإن السذج والانتهازيين سيقومون بالهجوم عليه. ولكن بعد أن يهدأ هذا الأمر، قل قبل مرور نصف قرن، يمكن للمرء أن يتوقع أن المسلمين في الولايات المتحدة سوف يبدأون بالشعور بأنهم أميركيون حقيقيون، وربما يكونون على استعداد مثل غيرهم لتلمس الأخطاء الجسيمة في القادمين الجدد من الشواطئ الأجنبية. وسوف يثبت الوقت صحة ذلك.

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت

ديلي نيوز» التركية

http://www.hurriyetdailynews.com/n.php?n=the-mosque-uproar-2010-09-14