توفي عن 110 آلاف

TT

ينشر الزميل سيمون عواد في «النهار» كل أسبوع، شيئا من ذكرياته مع أهل السياسة والثقافة والأدب. ويميز هذه اللطائف الماتعة مسحة من عمق التواضع والأمانة. فالصحافي هنا هو الذي يسمع، لا الذي «يقول». وهو الذي يصغى وليس يملي. وهو الذي يدون، وليس يصنع التاريخ، أو يغير مجراه. أو مجاريه.

وفي ما روى عن رفقته ومقابلاته مع الشاعر السوري الكبير عمر أبو ريشة، أن الرجل أباح ذات مرة بأنه رفض تعلم قواعد الوزن والتفعيل بسبب خلاف مع أستاذه. وظل يجهل هذه القواعد إلى ما بعد شهرته. أما كيف استطاع أن يوقع أوزانه الشعرية فقد روى أنه حفظها على السمع، عندما كان والده ووالدته يتباريان في الحرف الأخير من كل شطر بما يعرف «بمذاكرة الأنفاس». وأباح أبو ريشة بشيء آخر: كان ينظم قصائده تحت اللحاف وعلى ضوء البطارية!

ويروي عواد أن صداقة طويلة جمعته بالأديب ميخائيل نعيمة، لدرجة أنه طلبه ساعة النزع الأخير، مع ابنتي شقيقه. ويقول إن نعيمة كان يرفض جميع أنواع التكريم. و قد أصر الرئيس إلياس سركيس عليه بذلك فاعتذر. وأخيرا روى له أنه عندما كان طالبا ذهب إلى إحدى محاضراته، لكنه لفقره، ركب القطار الكهربائي ففاته الموعد! وقبل نعيمة فكرة التكريم التي رصد لها سركيس سبعمائة ألف ليرة، أي نحو 300 ألف دولار. ولما توفي نعيمة كانت كل ثروته المادية 110 آلاف ليرة، حولها إلى دولارات بناء على نصيحة عواد، لكي لا تذوب.

ترك نعيمة ثلاثين أثرا أدبيا. وكان زعماء العالم المفكرون، أمثال نهرو، يوجهون إليه الدعوات الخاصة. وطلب منه الزعيم الدرزي كمال جنبلاط أن يقدم لأحد كتبه، كما رغب في تناول الغداء عنده. وكان كلاهما من النباتيين.

في حلقة أخرى يروي عواد كم كان مدى الحاسة الصحافية عند غسان تويني. فبعد النزول على القمر فكر في إصدار مجلة علمية. وإلى من يوكل رئاسة التحرير؟ كلف سيمون عواد يومها أن يفاوض الشاعر سعيد عقل، الذي كانت الناس تضحك من إغراقه في الكتابة عن العلوم. ورصد تويني مبلغ نصف مليون ليرة للمجلة، لكن سعيد عقل أصر على مبلغ مليونين. ولم يكن مثل هذا المبلغ متوافرا حتى لإصدار جريدة سياسية، في مرحلة كانت تنمو فيها الصحف على رؤوس الأغصان وكعوب الشجر، زهرا أو طحالب.