الريبة الآيديولوجية

TT

قامت عائلة طارق عزيز بزيارته في سجنه للمرة الثانية منذ اعتقاله مع 49 مطلوبا آخر وضع الأميركيون صورهم وأرقامهم على ورق اللعب. ووجدت العائلة ربها كما وجده مراسل «الغارديان» قبل أسابيع، حطاما لا يقوى على الحركة، ويعيش في زنزانة مع سجين آخر. وحمل طارق عزيز المراسل كما حمل أبناءه، طلبا واحدا: أن ينقل من المعتقل الأميركي إلى المعتقل العراقي!

هذا هو الرجل الذي كان خصومه في النظام يحرضون عليه لدى صدام حسين بأنه أميركي الهوى. وهي التهمة التي كانت تلفق كلما عجز الخصوم عن العثور على أي تهمة مرفقة بأدلة. لذلك لجأوا إلى التهم التي يمكن أن تساق من دون أن تثبت.

يقول سعد البزاز في كتابه «رماد الحروب» (1995): «إلا أن الدعوة لتأسيس علاقات مع الولايات المتحدة لم تكن لتصبح موضع ترحيب في العراق، فعزيز وآخرون هم محط شك ينتجه مناخ من الشائعات يتحدث عن (علاقات مريبة) و(صفقات سرية) و(إعجاب بالأعداء)، ومن بين أولئك الذين أحيطوا بالشك الدبلوماسي الشهير نزار حمدون». كان يكفي أن يكون المشبوه ضليعا في اللغة الإنجليزية أو على معرفة حقيقية بالشؤون الأميركية. في حين كان الفريق الآخر يؤكد للرئيس العراقي أن الكونغرس ليس مؤلفا من مجلسين وأنه مجلس نواب لا شيوخ فيه. ووصف سعدي مهدي صالح أعضاء الكونغرس الذين صوتوا ضد العراق عشية أزمة الخليج بأنهم «كائنات حقيرة» وأن «قرارات الكونغرس سخيفة».

بعد اشتداد الحصار حول العراق، يروي سعد البزاز، لم يجد صدام حسين أمامه سوى دبلوماسية طارق عزيز، يرسله إلى باريس ونيويورك لإجراء محاولات سرية لتخفيف وطأة الأزمة. ولم يهن على بغداد أن توفد نزار حمدون إلى الأمم المتحدة بقرار رسمي، فأرسل إلى هناك بداعي العلاج، حيث أجرى محادثات متلاحقة مع جميع من توافر له من «مفاتيح» البيت الأبيض والخارجية.

كل ذلك يبدو اليوم تاريخا عبثيا. ومشهد صدام حسين في قاعة الجلادين الغلظاء مثل منظر طارق في البيجاما أمام «القضاة»، ملمح من تاريخ مأساوي، سادت فيه عقليات الريف وضيقها وعشائريتها. لذلك، يقول البزاز، كان الحل في العودة إلى المجتمع المدني وانفتاحه وتسامحه حيال الآخر.

لم يكن مشهدا مقبولا، الحبل الغليظ حول عنق صدام حسين، ولا كان أحد يصدق أنه سيأتي يوم يطلب فيه طارق عزيز أن ينقل إلى المعتقل العراقي.