كوريا الشمالية تسعى لعقد صفقة

TT

خلال رحلاتي الأخيرة إلى كوريا الشمالية والصين، تلقيت إشارات واضحة وقوية تشير إلى أن بيونغ يانغ ترغب في استئناف المفاوضات بشأن معاهدة سلام شاملة مع الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، حول إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية.

وكانت عناصر هذا الاتفاق ثابتة إلى حد ما على مدى السنوات الـ 16 الماضية، حيث تم التأكيد عليها أول مرة عام 1994 من قبل الولايات المتحدة والزعيم الكوري الشمالي في ذلك الحين كيم إيل سونغ، وأعيد التأكيد عليها مرة أخرى في اتفاق متعدد الأطراف وقع في سبتمبر (أيلول) 2005.

وتنص البنود الأساسية لهذا الاتفاق على ضرورة إيقاف عمل المفاعل النووي الكوري الشمالي، الذي بإمكانه إنتاج البلوتونيوم الصالح لتصنيع الأسلحة النووية بسهولة، وكافة المرافق والمنتجات ذات الصلة بواسطة خبراء من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على أن تقوم الولايات المتحدة، وفي الوقت الذي يتم فيه إغلاق المفاعل، بتوفير زيت الوقود أو الطاقة الكهربائية لكوريا الشمالية لحين تتمكن من بناء محطات جديدة لتوليد الكهرباء. ويتعين على الولايات المتحدة تقديم ضمانات بعدم التهديد بالقيام بهجوم نووي أو غيره من الأعمال العسكرية ضد كوريا الشمالية، وأن تتحرك الولايات المتحدة وكوريا الشمالية نحو تطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية وإبرام معاهدة سلام تشمل شبه الجزيرة الكورية، كما يتعين على كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية واليابان مواصلة السير في اتجاه تحسين العلاقات وتعزيز التعاون الاقتصادي بينهم في مجال الطاقة والتجارة والاستثمار.

وقد تنكر الرئيس جورج دبليو بوش عام 2002 لهذا الاتفاق الشامل الذي توصلت إليه إدارة الرئيس كلينتون. وعلى الرغم من أن كوريا الشمالية أعادت معالجة قضبان الوقود لإنتاج البلوتونيوم وقامت بتجربة نووية عام 2006، فقد تم إحراز تقدم جيد في المحادثات مع الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية والصين واليابان وروسيا.

لكن الأوضاع تدهورت منذ ذلك الحين، فقد توقفت المحادثات عام 2009، وفي نفس العام فرضت الأمم المتحدة عقوبات على بيونغ يانغ بعد أن أجرت تجربتها النووية الثانية، وأطلقت صاروخا بعيد المدى. وفي المقابل أوقفت كوريا الشمالية الجهود الهادفة إلى لمّ شمل الأسر المنقسمة بين الكوريتين.

وقد استمر ارتفاع حدة التوتر هذا العام عندما احتجزت كوريا الشمالية مواطنا أميركيا، يدعى أيلون غوميز، واتهمته بدخول أراضيها بشكل غير شرعي في يناير (كانون الثاني) الماضي، وفي أغسطس (آب) اعتقلت سلطات كوريا الشمالية طاقم صيد كوري جنوبي.

ومع ذلك، هناك الآن إشارات واضحة على حرص بيونغ يانغ على استئناف المفاوضات وقبولها للبنود الأساسية لجهود السلام ونزع السلاح النووي.

وفي يوليو (تموز)، دعاني المسؤولون في كوريا الشمالية للحضور إلى بيونغ يانغ للاجتماع مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ ايل، وغيره من المسؤولين لتأمين إطلاق سراح المواطن الأميركي غوميز. وقال الذين دعوني إنهم لن يستجيبوا لطلب أي شخص غيري للإفراج عن غوميز. لقد أرادوا أن آتي إلى بيونغ يانغ على أمل أن أساعد في إحياء الاتفاقيات الخاصة بنزع السلاح النووي والسلام التي كانت آخر الجهود الرسمية التي قام بها كيم إيل سونغ قبل وفاته عام 1994.

وقد أبلغت البيت الأبيض بهذه الدعوة، وتمت الموافقة على الزيارة في منتصف أغسطس (آب)، بعد أن أعلنت كوريا الشمالية أن غوميز سيتم نقله قريبا من المستشفى إلى السجن، وأن اللقاء مع كيم جونغ ايل لم يعد متاحا. (وعلمت لاحقا أنه سيكون في الصين).

وفي بيونغ يانغ طلبت إطلاق سراح غوميز، وانتظرت 36 ساعة حتى تتم إعادة محاكمته ويصدر قرار بالعفو عنه وإطلاق سراحه. وخلال هذا الوقت التقيت كيم يونغ نام، رئيس اللجنة التنفيذية الدائمة الخاصة بالبرلمان الكوري الشمالي، وكيم كي غوان، نائب وزير الخارجية وكبير مفاوضي كوريا الشمالية في المحادثات النووية السداسية، وقد شارك كلاهما في مفاوضاتي السابقة مع الزعيم الكوري كيم ايل سونغ.

وكان المسؤولون الكوريون يدركون أنني ليست لدي أي صفة رسمية، ولا يمكنني التحدث نيابة عن الحكومة الأميركية، لذلك فقد استمعت لاقتراحاتهم وطرحت بعض الأسئلة، وعندما عدت إلى الولايات المتحدة، نقلت الرسالة إلى واشنطن.

لقد قال لي المسؤولون الكوريون إنهم يريدون التوسع في العلاقات الجيدة التي تطورت في وقت مبكر من هذا العقد مع رئيس كوريا الجنوبية، في ذلك الحين، كيم داي جونغ ورئيس الوزراء الياباني جونيتشيرو كويزومي. وأعربوا عن قلقهم إزاء عدد من الإجراءات الأميركية الأخيرة، بما في ذلك فرض عقوبات لا مبرر لها، وإدراج كوريا الشمالية بين الدول التي قد تخضع لهجوم نووي، وإجراء المناورات العسكرية الاستفزازية مع كوريا الجنوبية.

ومع ذلك، قالوا إنهم مستعدون لإثبات رغبتهم في السلام ونزع السلاح النووي، وأشاروا إلى المحادثات السداسية بأنها «حكم عليه بالإعدام ولكن الحكم لم ينفذ بعد».

في الأسبوع التالي سافرت إلى بكين، حيث أبلغني القادة الصينيون أن الزعيم الكوري كيم عرض عليهم نفس النقاط عندما كنت في بيونغ يانغ، وأنه قام بعد ذلك بإطلاق سراح طاقم الصيد الكوري الجنوبي، وعرض استئناف جهود لمّ شمل الأسر الكورية. ولرؤيتهم بأن هذه الخطوات تمثل علامة واضحة على الاهتمام الكوري الشمالي، يقوم المسؤولون الصينيون حاليا بالترويج بحماس لجهود استئناف المحادثات السداسية.

التوصل إلى تسوية في شبه الجزيرة الكورية، أمر حيوي للسلام والاستقرار في قارة آسيا، وقد طال انتظاره، وينبغي متابعة هذه الرسائل الإيجابية التي ترسلها كوريا الشمالية بقوة ودون تأخير، على أن يتم التأكيد على كل خطوة في هذه العملية بعناية وبشكل كامل.

* جيمي كارتر الرئيس الـ39 للولايات المتحدة وحائز جائزة نوبل للسلام 2002.

* خدمة «نيويورك تايمز»