اجتماع نيويورك.. حجر زاوية في مشروع دعم باكستان

TT

قبل عشر سنوات، اجتمع قادة العالم في الأمم المتحدة بنيويورك وأقروا ثمانية أهداف تنموية للألفية الثالثة المزمع تنفيذها مع حلول عام 2015. ولقد شملت تلك الأهداف التزاما قاطعا بالقضاء على 50% من الفقر المدقع وتوفير التعليم الأساسي لجميع دول العالم، ولقد كان ذلك الإنجاز سابقة هي الأولى من نوعها لإزالة العقبات في طريق التنمية المستدامة. وفي الأسبوع القادم سيلتقي قادة دول ووزراء خارجية من جميع دول العالم مرة أخرى في نيويورك للنظر فيما تم إحرازه من تقدم في هذه الخطة.

لقد كانت الخطوة الأولى الهامة في سبيل بلوغ الأهداف هي تحديد الأسباب الجذرية التي تعرقل التنمية، ومن ثم وضع أهداف أساسية يتعين بلوغها للنهوض بالدول النامية. وبينما تواجه دولنا اليوم العديد من التحديات في عالمنا المتداخل، فإن الدول الفقيرة النامية هي الأكثر عرضة للمخاطر خاصة في أوقات الأزمات والكوارث، وبعضها كالكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والزلازل تستوجب النجدة العاجلة والمساعدات المتدفقة على الفور. وفي كثير من الأحيان تتسبب الكوارث العارضة في تأجيل الأجندة الخاصة بالتنمية ذات المدى البعيد، وتتوارى معها المشكلات الاقتصادية والاجتماعية بعيدا عن محط الأنظار. إن الكارثة الطبيعية الراهنة هي واحدة فقط من التحديات التي تجابه باكستان، فعلى الرغم من تركيز الاهتمام الدولي الحالي على الفيضانات يجب ألا تغيب عنا الصورة بعيدة الأمد والمتعلقة بالتنمية المستدامة والاستقرار في باكستان، والإمارات العربية المتحدة تحرص دائما على ألا تغيب عنها الصورة كاملة بشقيها ولكيلا لا تنسى متطلبات التنمية المستدامة.

لقد شهدت باكستان واحدة من أكبر الكوارث في التاريخ الحديث، وقد تدفقت المساعدات الإنسانية من كافة أنحاء العالم إلى هذا البلد، ولقد ساهمت دولة الإمارات، قيادة وشعبا، بما لا يقل عن 60 مليون دولار أميركي من المساعدات النقدية والعينية، بما في ذلك ثلاث طائرات عمودية من القوات المسلحة الإماراتية للمساعدة في نقل المؤن وإنقاذ الضحايا. ونتمنى أن تصل المساعدات الواردة من حكومات وشعوب العالم إلى أماكن الحاجة الحقيقية بباكستان باعتبارها دعما لحكومة وشعب باكستان في محنته.

إن باكستان والإمارات العربية المتحدة دولتان صديقتان منذ زمن طويل، وتقف الإمارات مع باكستان ليس فقط لدرء المخاطر الحالية ولكن لضمان المستقبل أيضا، وتركز الإمارات على القضايا بعيدة الأجل المتعلقة بتحقيق الاستقرار والازدهار الاقتصادي. ولقد ظلت الإمارات ملتزمة بالمساهمة في تحقيق الاستقرار والتقدم في باكستان وفي شبه القارة الهندية منذ الخطوات الأولى التي قام بها مؤسس الدولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - رحمه الله. وظلت الإمارات تقدم الدعم والمساندة، ويمثل هذا الجانب الإنساني أحد الأعمدة الرئيسة التي ترتكز عليها السياسة الخارجية لدولة لإمارات.

وفي عام 2008 كانت الإمارات واحدة من مؤسسي مجموعة «أصدقاء باكستان الديمقراطية» وهو منتدى لمناقشة وصياغة السياسات الاقتصادية والتنموية الباكستانية، بمشاركة أكبر الممولين الدوليين، مثل الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. ومنذ تأسيس هذا المنتدى ظلت الإمارات مهتمة به، وقامت بتنظيم العديد من الاجتماعات ذات المستوى العالي لهذه المجموعة، مثل اللقاءات الوزارية ولقاءات رجال الأعمال التي تمت بالرئاسة المشتركة بين الإمارات وباكستان.

وكمثال لارتباطنا بعيد الأجل بباكستان، تقدمت الدولة بباقة مساعدات بلغت 300 مليون دولار تم الإعلان عنها في الاجتماع الوزاري لمجموعة «أصدقاء باكستان الديمقراطية» الذي تم في طوكيو عام 2009. وحزمة الدعم هذه تجعل الإمارات من أكبر المساهمين في دعم التنمية في باكستان.

وننطلق في ذلك من رغبتنا في مساعدة باكستان للتصدي للتحديات بعيدة الأجل، خاصة ما يتعلق بالاستقرار والتقدم الاقتصادي. وينطلق هذا الدعم من المبادئ التي تؤمن بها الأسرة الدولية في المحافظة على الحياة البشرية والسعي لتقدمها والتخفيف من المعاناة الإنسانية. وبما أننا نعيش في منطقة واحدة ذات اهتمامات مشتركة ومتداخلة، فإن أمن باكستان يشكل هدفا مهما من أهداف السياسة الخارجية لدولتنا.

ولقد ساهمت كوارث الفيضانات الأخيرة في وضع القضايا المذكورة أعلاه على سلم الأولويات، فبينما يحاول المتطرفون استغلال الأزمة في المناطق التي تعرضت للفيضانات، مساهمين بذلك في مزيد من عدم الاستقرار، نجد أن هذه الكارثة الطبيعية قد أضرت بشكل كبير بالاقتصاد الباكستاني. وفي مثل هذه اللحظات يصبح من الضروري التصدي الدولي لأنشطة المجموعات الإرهابية والجماعات المتطرفة والمسلحة.

ومن هذا المنطلق تذهب دولة الإمارات إلى اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة برسالة محددة: يجب ألا ننسى الاحتياجات الباكستانية بعيدة المدى، ويجب أن نعيد الحياة لهذه الأجندة الخاصة بالاستقرار والتنمية المستدامة، بالتصور الذي صاغته مجموعة «أصدقاء باكستان»، ووضعها بشكل مباشر وواضح أمام الأسرة الدولية. ومن رأي الإمارات أن المصالح بعيدة الأمد لباكستان ستخدم بدورها المصالح الشاملة على المدى الطويل، وتعد الإمارات بأنها ستكون دائما مع دول المقدمة في الأسرة الدولية التي تسعى لتحقيق هذه الأهداف.

إن اجتماعنا المقبل في نيويورك يمثل خطوة مهمة، وسيعقبه اجتماع «أصدقاء باكستان» على مستوى وزراء الخارجية يوم 15 أكتوبر (تشرين الأول) في بروكسل، وهو اجتماع مقدر له أن يصبح حجر زاوية في مشروع دعم باكستان. ولكن لا بد من استدامة النشاط الخاص بهذا الموضوع، ولذلك فنحن ننوي أن نضع أيدينا في أيدي الشركاء الدوليين الآخرين من أجل الحفاظ على حيوية الشأن الباكستاني.

ومن المهم أن تظل الأسرة الدولية مهتمة بالقضية الباكستانية حتى لو غابت عن شاشات التلفزيون وصفحات الإعلام. وأخيرا فإن دعم باكستان الذي يضع مصالحها بعيدة المدى في الاعتبار هو القضية الأهم، وإنني كوزير خارجية على قناعة بأن الإمارات العربية المتحدة صديق يأخذ القضية الباكستانية مأخذ الجد.

* وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة