بل اذهب إن ذهبت دمشق

TT

من الخطأ أن يرفض اللبنانيون دعوة المبعوث الأميركي الخاص السيناتور جورج ميتشل لهم بالمشاركة في مفاوضات السلام الجارية، في المراحل التالية للمفاوضات التي تجري برعاية أميركية، وبمشاركة مصر والأردن، وبالطبع الفلسطينيين، خصوصا أن الرفض اللبناني تجدد، حتى عندما اقترح ميتشل أن تكون المشاركة مرهونة بحصول تقدم على المسارات الأخرى، ورغم تأكيد ميتشل احترام بلاده لـ«سيادة لبنان ودوره في السلام الشامل»، وتوضيحه بأن «الولايات المتحدة لا ولن تدعم توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان»!

الخطأ اللبناني يكمن في طريقة المعالجة، فالتعذر بأن لبنان لا يذهب إلى المفاوضات «إلا ضمن سلة عربية متكاملة» وتحت سقف إجماع داخلي، يعد عذرا واهيا، فبالنسبة للسلة العربية؛ المعروف أن المفاوضات تسير بغطاء عربي. أما بالنسبة للإجماع الداخلي، فكلنا نعلم أنه عندما يذهب السوريون إلى المفاوضات، فسيكون لبنان من ضمن الأوراق التي سيستخدمونها في التفاوض. وبالتالي؛ فعندما تصدر تعليمات سورية لبيروت بالانضمام للمفاوضات فحينها قلة هم الذين سيتجرأون بقول لا، ولذا فإن الإجماع الداخلي يعد عذرا غير مقنع.

صحيح أن الحكومة اللبنانية، التي تتعرض لعملية ترهيب منظمة وابتزاز من قبل حزب الله وآخرين، تخشى أن تتخذ موقفا من هذا النوع، أي الموافقة على المشاركة في مفاوضات السلام، حتى وإن تحقق تقدم في بعض المسارات، كما قال لهم ميتشل. لكن كان على الحكومة اللبنانية أن تستغل هذه الفرصة من أجل استعادة ما تبقى من الأراضي اللبنانية المحتلة من قبل إسرائيل أولا، ومن أجل أن تلقي الكرة في ملعب حزب الله وغيره أيضا.

فقد كان على الحكومة اللبنانية أن تقول إنها ستذهب للمفاوضات في حال ذهبت دمشق، وبالتالي يصبح سقف بيروت هو السقف السوري، وليس الابتزاز الإيراني من قبل حزب الله، كما أن الحكومة اللبنانية ستستفيد من تحرير لبنان من أن يكون ورقة بيد السوريين، أو غيرهم. فلماذا يجوز للسوريين التفاوض، وهو حقهم المشروع بكل تأكيد، ولا يجوز للبنانيين؟

النقطة الأخرى، هي أن حزب الله يقول إن سلاحه سلاح مقاومة، ومن أجل تحرير الأرض المحتلة، وكل الأحداث تؤكد أن سلاح حزب الله هو للاستخدام الداخلي أولا، ولنصرة الملف الإيراني ثانيا. وبالتالي؛ فإن السلام يحمي لبنان من أن يكون منطقة تنازع، للخارج، أو تحت سطوة سلاح ميليشيا. وقبل هذا وذاك فإن المفاوضات عمل مشروع مثلها مثل العمل المسلح، المدروس بالطبع لا المتسم بالمغامرة. وبالتالي؛ فإذا كان حزب الله تهمه سلامة لبنان ووحدته فيجب أن لا تضيره عملية السلام، مثلما أن حزب الله لا يجرؤ على قول رأيه في الرغبة السورية الواضحة للجوء للخيار السلمي في التعامل مع إسرائيل، سواء عن طريق تركيا، أو فرنسا، أو من خلال أميركا اليوم.

ولذا؛ نقول إنه كان من الأجدى أن تستغل الحكومة اللبنانية هذه الفرصة لترسم حدود صلاحياتها، وسيادتها، لا أن يكون همها السياسي هو تجنب ابتزاز حزب الله الذي لا ينتهي.

[email protected]