خير على خير

TT

من المعتاد أن يحتفل المسلمون بأعيادهم بالأكل والمآكل. أنا لست من الأكالين وإنما من الفنانين. سمعت بأن المطربة والموسيقية السودانية أميرة خير ستقدم حفلة بمناسبة عيد الفطر المبارك الماضي وضمن مهرجان الموسيقى الأفريقية لـ«الساوث بانك» في لندن على الصالة المفتوحة من قاعة الملكة إليزابيث. فشخصت إليها. وكانت وليمة من أطيب ما ذقت، تغذت بها العين والأذن. نظرت فرأيت فتاة شابة، نحيلة العود، رشيقة القوام، تتلوى أمامنا كغصن البان. كم سمعنا عن العيون العسلية. في هذه الأميرة من أميرات الطرب رأيت الخدود العسلية.

أميرة خير، كسواها من الفنانين العرب والمسلمين المغتربين، تسعى لدمج تراثها الشرقي بتراث الغرب. وفي حالتها، سعت لدمج التراث الشعبي السوداني بموسيقى الجاز. جمعت حولها جوقة من العازفين من شتى الهويات، يقودهم عازف سوداني على العود، سيد الآلات. العجيب في هذه الجوقة خلوها من الطبول. وهل من جوقة عربية دون طبل ودربوكة، وهل من موسيقى جاز دون طبال يضبط الإيقاع؟ وكان هذا مما افتقرت إليه موسيقى أميرة خير مع الأسف.

بيد أن ما افتقدته عوضت عنه بصوتها السبرانو القوي. وقد أجادت في تنغيمه علوا وقرارا. غنتنا الكثير من تراث السودان الشعبي، ومنه أناشيد المديح، ذلك الضرب من الأناشيد الصوفية السودانية في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم. وجاءت في مكانها تماما ونحن نحتفل باليوم الأول من عيد الفطر.

وقبل خير السودان، جاءنا خير آخر من لبنان تدفق إلينا احتفالا بشهر رمضان. دعاني ذلك الموسيقار اللبناني المبدع، عبد السلام خير، لحفلة موسيقية عجيبة في مطعم الدربوكة اللبناني بلندن. كانت نجم الحفلة مطربة روسية شابة أيضا، جوليا نايدنكو تعلمت العربية والموسيقى الشرقية فراحت تغنينا بلسان عربي فصيح مجموعة من الأغاني العربية من نظم وتلحين عبد السلام خير.

إذا كانت الشابة السودانية السمراء أميرة خير قد أذاقتنا العسل بسمرتها، فالشابة الروسية البيضاء أذاقتنا «القشطة» الخالصة. وهل أطيب من وليمة من «القشطة بالعسل» تذوقها في أرغفة من خبز المقام والموشح والمديح في مثل هذه الأيام العيدية التي احتفل بها العالم الإسلامي؟

عبد السلام خير فنان آخر من المغرمين بمزج الموسيقى العربية بالموسيقى الغربية ولكن موسيقى الجاز لم تستحوذ على قريحته. فضّل عليها موسيقى الفلمنكو الإسبانية الغجرية. إنه فنان من بلاد الشام وأهل الشام يعتزون بما تركوه في بلاد الأندلس التي فتحوها وأقاموا فيها تلك الحضارة الإسلامية المذهلة التي ولدت موسيقى الفلمنكو. وفي هذه الحفلة التي قدمتها نايدنكو وزعت معها أسطوانتها الجديدة التي جسمت فن عبد السلام خير ومدرسته الموسيقية: «بين الشرق والغرب». يقول غلاف الأسطوانة: «هذا عمل يمثل رحلة فنان شرقي في بلاد الاغتراب». ونايدنكو ليست التلميذة الأوروبية الوحيدة التي تخرجت في مدرسة عبد السلام.