لغة الكتاب

TT

حاول سعيد عقل، طوال عقود، أن يفرض في لبنان استخدام عامية أطلق عليها، بعجرفة، «اللغا اللبنانيي»، وكأنها ليست متحدرة من العربية، مثل جميع العاميات الأخرى. تجمع حوله بعض المريدين من الشعراء والكتاب، وكان هؤلاء مثله قادمين من الفصحى. على أن قلة قليلة من خصومه ومحبيه، استطاعت أن تجاري بلاغته وإتقانه اللغوي.

كانت أسباب سعيد عقل (وجماعته) مزيجا من الدوافع السياسية والفانتازيا. لقد حاول أن يقيم لنفسه عالما خياليا أشبه بعالم السحر الذي كان يقيمه الزنوج في الليل، بعد يوم عمل طويل وشاق في مزارع الرجل الأبيض وحقوله، فما ان يهبط الظلام حتى يأخذ العبيد في تخيل عالم حر، له ملوكه السود، وله أغانيه، وله لغته.

كانت محاولات سعيد عقل في الإقناع واهية وضعيفة. مثلا: لماذا نضطر إلى القول «إحدى عشرة» بينما يمكن أن نقول «حدعش»؟ وأضاف إلى ذلك الدعوة إلى كتابة «اللغا اللبنانيي» بالحرف اللاتيني، ونشر مؤلفا بهذا الحرف عنوانه «يارا». ولعله كان الكتاب اليتيم، فقد تعذرت قراءته وفق أحاجيه، حتى على مؤيديه والمعجبين به.

لماذا أخفق؟ لماذا يصغي العرب إلى فيروز ووديع الصافي وصباح، بالعامية، ولا يستطيعون قراءة سطر منها؟

سئل شاعر جزر المارتينيك العظيم، إيميه سيزير، لماذا يكتب بالفرنسية، لغة الاستعمار الذي يحاربه، وليس بلغة البلاد «الكريول». وكان الجواب بسيطا: «الكريول» لغة شفهية لا يكتب بها؛ لغة يوميات ومواضع وأشياء صغيرة، وليست لغة فكر وتأمل وشعر. لا يمكن أن نتخيل للحظة «ترجمة» المتنبي إلى «اللغا اللبنانيي»، أو تحويل نزار قباني إلى قوال زجل. لقد كتب بعض شعراء العامية اللبنانية أجمل وأرقى الشعر: ميشال طراد وطلال حيدر وشعراء الأغاني التي حفظها العرب. لكن هؤلاء لم يطلبوا يوما أن يحلوا محل شوقي وبدر شاكر السياب. الشعر فنون، منه العامي، أو البلدي. لكن النثر للفصحى، وفي أقصى الحالات، للفصحى المبسطة شرط عدم التعريض بسلامتها.

لسوء الحظ وسوء النتيجة أن أصحاب «اليافطات» الإعلانية وحدهم اعتمدوا مبدأ سعيد عقل، في كل العالم العربي وبكل اللهجات، بما فيها المغربية العزيزة ديالتي.