الإعلام وقضية سارة!

TT

المعالجة الإعلامية للحوادث تخلق أحيانا أجواء من الشحن النفسي بين المجتمعات، خاصة حينما يستبق «بعض» الإعلام نتائج التحقيقات الرسمية للسلطات الأمنية في البلد الذي وقعت فيه الحادثة، ومثال لذلك حادثة الفتاة سارة، الجزائرية الأصل، والفرنسية الجنسية، التي لقيت مصرعها في مكة المكرمة أثناء أداء العمرة، على أثر سقوطها من الفندق الذي تقيم فيه في ظروف غامضة، ولا تزال السلطات تحقق في الأمر، وتعتقل اثنين من عمال الفندق على ذمة التحقيق، ولم تقل الجهات المسؤولة كلمتها النهائية بعد.

لكن مطالعتي لـ«بعض» الصحف الجزائرية الصادرة يوم السبت الماضي جعلتني أشعر بأن ثمة مساحة من سوء الفهم تولدت لدى بعض هذه الصحف، فمارست قدرا من الشحن النفسي لقرائها، وكأن قضية الفتاة لم تواجه بما تستحقه من تحقيقات واهتمام، بينما الواقع يشير إلى أن السلطات الأمنية السعودية تعاملت مع هذه القضية منذ اللحظة الأولى بقدر كبير من المسؤولية التي تستشعرها تجاه مختلف زوارها ومواطنيها، وكنت أتمنى أن تنهج تلك الصحف في معالجة هذه القضية نهجا يستهدف الحقيقة، استنادا إلى التصريحات الرسمية، وبعيدا عن الإثارة وتهييج القراء، ريثما يكتمل التحقيق في القضية.

وإذا كانت منهجية الإثارة التي تعتمدها بعض تلك الصحف خلقت - للأسف - في مناسبات رياضية الكثير من أسباب الشحن والعداء بين المجتمعات، فإن تطبيق هذه المنهجية على حادثة الفتاة الجزائرية واستثمارها للشحن النفسي أمر يسيء لروح الفتاة وقضيتها، كما يسيء إلى الحقيقة ذاتها.

فلو أن كل حادثة تحدث لعربي في بلد عربي يتم التعامل إعلاميا معها على هذا النحو من استباق نتائج التحقيق، وعدم الثقة، لخلقنا بيننا الكثير من المسافات وسوء الظن، وسيتحمل «بعض» الإعلام مسؤولية هذه النتائج الخطيرة وانعكاساتها، فعلى الإعلام وهو يبحث عن الحقيقة أن يكون داعما لأسباب الأخوة والتواصل بدلا من أن يكون عامل فرقة وشتات، ولا يفوتني هنا أن أشيد بصحف جزائرية رزينة تعاملت مع هذه الحادثة بروح البحث عن الحقيقة، فاعتمدت في أخبارها على الروايات الموثقة، بعيدا عن المبالغة والخيال والتهويل.

وفي انتظار تفاصيل الحقيقة، دعونا جميعا ندعو الله أن يرحم الفتاة، ويسكنها فسيح جناته، وينعم على أهلها بالصبر والمثوبة.

دمتم في أمان.

[email protected]