يوم أول دكتوراه فخرية!

TT

كان يوما سعيدا عندما منحتني جامعة المنصورة الدكتوراه الفخرية وهي ثالث دكتوراه أحصل عليها. فالمنصورة أعطتني الكثير وكانت بالغة الكرم. فقد أقامت لي تمثالا في ميدان على مسافة خطوات من تمثال أم كلثوم..

وأقامت لي مكتبة لكي أترك فيها كل كتبي هدية لبلدي. ولكن بعد أن أقيمت المكتبة اكتشف المهندسون أنها أصغر كثيرا مما يجب. فكتبي نحو ستين ألف كتاب..

وبعد ذلك يتبارى رئيس الجامعة والعميد ورئيس قسم الفلسفة في الحديث عني وعن دوري وكتبي وحبي لبلدي وأهلي وناسي. وكان لا بد أن ألقي كلمة.. وقلت سأحدثكم عما لا يصدقه الصغار. وإنما الكبار فقط هم الذين يعرفون ويستحيل أن ينسوا ما كنا نعانيه في «الكُتّاب» ونحن صغار نحفظ القرآن الكريم ونردده وراء سيدنا الذي لا يرانا. فهو أعمى. ولكي يعرفنا فإنه يطوح عصاه فتصطدم بواحد فيقول اسمه. ثم يطلب إلينا سيدنا أن نساعد زوجته في شغل البيت: الكنس والرش والغسيل وشراء الخضار وإعداد الملوخية والبامية. وكانت مهمتي أن أدخل خزانة صغيرة أنحشر فيها لأعرف إن كان الدجاج قد باض.. وأمد يدي في الظلام دون خوف من ثعبان أو عقرب!

ولما شكوت لأمي وأبي قالا في نفس واحد: من علمني حرفا صرت له عبدا. فما بالك بمن علمك كيف تحفظ القرآن الكريم. فلا شكوى مهما تعبنا ومهما تلوثت ملابسنا وإن أمر سيدنا بضربنا بعصا لأي سبب. لا شكوى!

والشباب الذين كانوا حاضرين راحوا يضحكون فهم لا يصدقون كيف كان عناؤنا في الدرس والتحصيل.. فلا عندنا مكتبة ولا صحف ولا مجلات.. وإذا سمعنا عن أحد عنده كتب ركبنا الحمير نستعير الكتب يوما أو يومين.. وكثيرا ما كنت أقرأ الكتب في الطريق قبل أن أصل إلى البيت.

في ذلك اليوم لاحظت أن العباءة الجامعية من حين لحين في حاجة إلى أن أشدها حول جسمي ظنا مني أنها طويلة لدرجة أن أحدا يدوسها.. مرة مرتين ثلاثا.. ولكن أنظر إليها فأجدها أقصر مما تصورت.. فما هذا الذي يحدث؟!

نكتة ضحكنا لها ورويناها.. فقد كان أحد موظفي كلية الآداب يريد أن يأخذ العباءة لأن مهمتها قد انتهت. فظل يشدها وأنا أشدها وأخيرا أفلح في أن يسحبها وهو يقول: لا مؤاخذة يا سعادة البيه.. أريد العباءة قبل أن يقفلوا المخازن! ولم ينتظر حتى أستوضح أو حتى أعطيه بقشيشا لقد سحبها وانطلق.. هاها!