المفاجأة الأخيرة للسادات

TT

تابعت الرئيس السادات، مثل معظم الناس، من بعيد. كل ما عرفناه عنه، عرفناه من الصحف اليومية ومن المجلات العربية، وأحيانا من الوسيلة العربية الأكثر انتشارا من الاثنتين: الإشاعات والحكايات. وباستثناء قراءة ما كتبه هو وبعض ما كتب عنه، لا شيء. وعلى مدى السنين تكون لي انطباع مختصر، وهو أن السادات سيد المفاجآت.

كان وصوله إلى الرئاسة مفاجأة أذهلت الجميع، على الرغم من كونه نائبا للرئيس منذ سنين. وكان إقدامه على ضرب اليسار الناصري بعد وفاة الرئيس، مفاجأة غير متوقعة. وكان إقدامه على إرسال رفاق عبد الناصر إلى قواويش خاصة وفيها تسهيلات حياتية، مفاجأة. وعندما أرسل محمد حسنين هيكل إلى السجن فاجأ الغرب والشرق.

كل حين، كانت لرئيس مصر - الذي جاء أهله من السودان، وقيل إنه من أصل سوري - مفاجأة من نوع ما. وبلغ سيل المفاجآت زباه، عندما وصل إلى القدس ليصافح غولدا مائير ومناحم بيغن وإسحق شامير، ثم يلقي خطابا في الكنيست. وهو يمسح العرق بمنديل مبتل. وقبل القدس كان قد أعلن أن 99 في المائة من الأوراق في يد أميركا، ثم طرد الوجود السوفياتي من مصر بعد علاقة شديدة الخصوصية قامت منذ عام 1955، عندما مدت موسكو القاهرة بالسلاح التشيكي، ثم قدمت لها المال والرجال لبناء السد العالي. كل المفاجآت كانت من النوع المدوي. العلاقة مع «العزيز هنري»، ثم علاقة مع جيمي كارتر، ثم الذهاب إلى كامب ديفيد والعودة منه ومعه سيناء.

كنا نتابع خطوات السادات بمشاعر مختلفة متناقضة، لكن ثمة إجماعا واحدا، وهو أنه يتقن المفاجآت. كان أول زعيم عربي يجرؤ على القول إن 99 في المائة من الأوراق في يد أميركا، على الرغم من وقع ذلك عند الشعوب العربية. وكان أول زعيم عربي يجرؤ على الذهاب إلى إسرائيل. وكان أول زعيم عربي يدخن الغليون ويحمل عصا الماريشالية ويغير البزة العسكرية بألوان ونياشين كثيرة، ولكن بعدد مقبول من الأوسمة، وغير مضحك ولا مبك. أرفق السادات تلك الخطوات بالتأكيد على صفة لم تكن في عبد الناصر. فهو «الرئيس المؤمن». ولذلك أصبح اسمه «محمد أنور السادات»، مع أن زوجته كانت في كل المقابلات تكرر «قلت له يا أنور». وبدا ذلك في أي حال متماشيا مع المهمة التي أوكلت إليه لسنوات طويلة، وهي تمثيل مصر في منظمة المؤتمر الإسلامي. وكان يقال، ولا يزال يقال، إنه بدأ حياته في صفوف الإخوان المسلمين.

الآن أقرأ في كتاب «أوراق السادات» للأستاذ أنيس منصور، فأعثر على مفاجأة الرئيس الأخيرة: مثله الأعلى كان كمال أتاتورك. ونموذجه الأول كان أتاتورك. والصورة المعلقة في منزل والديه، ليست مصطفى كامل، بل مصطفى كمال.