على أميركا اختبار رغبة إيران في تحقيق الاستقرار بأفغانستان

TT

تشير إيران إلى أنها ترغب في الانضمام إلى الجهود الإقليمية الساعية لتحقيق الاستقرار في أفغانستان، مقدمة بذلك فرصة دبلوماسية جديرة بالاهتمام للرئيس أوباما. لقد طلب الرئيس أوباما هذه المساعدة من طهران الشهر الماضي، لكن إدارته لم ترد بعد على محاولات جس النبض الإيرانية.

ولا تزال سياسة الولايات المتحدة غير ثابتة، لكن الإدارة تبدو مستعدة لإجراء حوار محدود مع إيران بشأن أفغانستان، والذي ربما يتم من خلال سفاراتي البلدين في كابل، لكن هذا الموقف لم يبلغ للإيرانيين، ويرجع ذلك بصورة جزئية إلى أن واشنطن تنتظر لترى ما إذا كانت إيران ستعود قريبا إلى طاولة المفاوضات بشأن برنامجها النووي مع مجموعة «خمسة زائد واحد»، أم لا.

والمأزق الذي تواجهه إدارة الرئيس أوباما شبيه بما واجهته إدارة الرئيس بوش عام 2006، عندما طلبت ثم رفضت بعد ذلك مساعدة إيران في العراق. وكان ما يقلق الإدارة الأميركية في ذلك الحين هو ما يقلقها الآن، وهو أن أي تعاون إقليمي مع طهران يمكن أن يضعف الضغوط الأميركية عليها بشأن ملفها النووي. إلا أن عدة مسؤولين بارزين سابقين في إدارة الرئيس جورج بوش يرون الآن أن تردد الإدارة في قبول مساعدة إيران عام 2006 ضيع عليها فرصة مهمة.

وقد تحدث الرئيس أوباما عن التعاون الأميركي الإيراني مع مجموعة من كتاب الأعمدة في 4 أغسطس (آب) الماضي، وقال إنه بالإضافة إلى المحادثات حول وقف البرنامج النووي الإيراني، فإنه يفضل وجود مسار «منفصل» لمناقشة الوضع في أفغانستان، حيث إن للجانبين «مصلحة مشتركة» في مكافحة تجارة المخدرات ومحاربة حركة طالبان.

وقال أوباما لنا إنه كجزء من مبادرة الرئيس الأفغاني حميد كرزاي «لإعادة إدماج» عناصر حركة طالبان، ستكون هناك ضرورة لمشاركة إيران في محادثات إقليمية بشأن الاستقرار في أفغانستان: «إن إيران يجب أن تكون جزءا، ويمكن أن تكون شريكا بناء».

وبتأييده العلني لمثل هذا الحوار، تبنى أوباما موقفا دعت إليه بصورة خاصة لعدة شهور وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون. ويقال إنها أكدت على موقفها هذا في عدد من الاجتماعات الخاصة التي جمعتها بالرئيس.

وأشار عدد من المسؤولين الأميركيين إلى أن إيران قد ردت بعدة طرق إيجابية. ففي 10 أغسطس، التقى مسؤولون إيرانيين في طهران مايكل شتاينر، وهو دبلوماسي ألماني يعمل كمنسق لشؤون أفغانستان وباكستان. وحسبما ذكرت صحيفة «إيران ديلي»، فإن علاء الدين بروجردي، رئيس لجنة السياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، قد «أعرب عن استعداد إيران للتعاون مع البلدان الأخرى للمساعدة في حل الأزمة في أفغانستان ومكافحة تهريب المخدرات». ويقال إن الإيرانيين قد نقلوا الرسالة الإيجابية نفسها إلى دبلوماسيين إيطاليين.

ويرغب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في السيطرة على أي قناة للحوار مع واشنطن، حيث قام بتعيين ممثل خاص له للشؤون الأفغانية، يوم 24 أغسطس، وهو شخص متشدد يدعى أبو الفضل زهورفاند، يشغل منصب نائب رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني. كما قام الرئيس الإيراني أيضا بتعيين ثلاثة ممثلين خاصين آخرين، وذلك ليعزز سيطرته على القضايا الدبلوماسية الرئيسية. وعلى الرغم من استمرار أحمدي نجاد في خطابه العدائي لإسرائيل، فإنه كان خلال العام الماضي من دعاة الحوار مع الغرب.

كما صدرت عن إيران إشارات أخرى لاستعدادها للحوار بشأن أفغانستان، حيث حضر وزير خارجيتها منوشهر متقي المؤتمر الذي استضافه الرئيس الأفغاني كرزاي في كابل في يوليو (تموز) لتشجيع المصالحة الأفغانية، ويقال إن الإيرانيين أبدوا استعدادهم هذا الشهر للتعاون في تنفيذ مشروع الدرع العالمية، وهو برنامج يهدف للحد من نقل المواد الكيميائية التي يمكن أن تستخدم في صنع المتفجرات إلى أفغانستان.

والسؤال لإدارة أوباما هو عما إذا كان يتعين عليها الاستجابة لهذه الإشارات أم لا. ويرى الداعون للاستجابة لهذه الإشارات أن تحقيق الاستقرار في أفغانستان يمثل أولوية استراتيجية، وأنه يتعين على الولايات المتحدة السعي للحصول على أي مساعدة لتحقيق هذه الهدف من أي طرف، ويقولون أيضا إنه بدلا من أن تؤدي إلى تقويض المحادثات حول ملف إيران النووي، فإن المحادثات حول أفغانستان يمكن أن تكون بمثابة خطوة مهمة لبناء الثقة.

لكن المتشككين يرون أن المناورة الأفغانية ستضعف التركيز الرئيسي للسياسة تجاه إيران، وهو وقف سعي طهران لامتلاك أسلحة نووية. وقد أدى هذا السبب إلى سحب إدارة بوش في مارس (آذار) 2006 لاقتراحها بإجراء محادثات مع إيران في بغداد، بعدما عين المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي مستشارا بارزا له وهو علي لاريجاني ممثلا له في تلك المحادثات.

وعندما زرت طهران في أغسطس 2006، كان المتشددون هناك سعداء بحالة التردد الدبلوماسي التي كما يقولون تثبت زعمهم بأن الولايات المتحدة شريك لا يمكن الاعتماد عليه.

وآمل أن تسرع الإدارة بفتح قناة للحوار بين الولايات المتحدة وإيران بشأن أفغانستان، قبل أن يزداد الوضع في أفغانستان سوءا، وأعتقد أن واحدة من أفضل الطرق التي يمكن من خلالها تقويض الروح المعنوية لحركة طالبان هي جمع كل القوى الإقليمية الرئيسية في عملية قد تسمح بسحب نهائي للقوات الأميركية من أفغانستان. والطريق الوحيد لمعرفة ما إذا كانت الإشارات الإيرانية حقيقية أم لا هو أن نبدأ باختبارها.

* خدمة «واشنطن بوست»