قراءة سياسية في العقوبات الاقتصادية على إيران

TT

بعد مرور نحو أربعة أشهر على تطبيق العقوبات الاقتصادية على إيران، تتباين الآراء أشد التباين حول جدوى هذه العقوبات، وتأثيرها في تغيير سلوك طهران، وحقيقة موقف دول مجلس التعاون من التشدد أو التساهل في تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1929 الصادر في 9 يونيو (حزيران) الماضي.

فالرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، المكابر دائما يدعي أن الجولة الرابعة من العقوبات الاقتصادية «عديمة الجدوى ولا قيمة لها ولن تؤثر في سياسات حكومته، ولن تتراجع إيران عن برنامجها النووي، وآخر همها الحوار مع واشنطن».

في المقابل تحدث وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس، متبجحا أن العقوبات الأممية المفروضة على إيران «فعالة وقوية وستحقق أهدافها وبدأت تأتي بثمارها، بما في ذلك حدوث انقسام في القيادة الإيرانية». من ناحيته حذر علي أكبر هاشمي رفسنجاني، رئيس مجلس الخبراء في إيران، الذي يمثل تيار الاعتدال في القيادة الإيرانية، من «الاستخفاف بالعقوبات»، ودعا إلى «أخذها على محمل الجد»، وأكد أنه لم يحدث أبدا «خلال الثلاثين سنة الماضية أن فرض على إيران هذا القدر من العقوبات وصدر بحقنا هذا العدد من القرارات من مؤسسات دولية».

وجهات النظر الإيرانية والأميركية تجاه الجولة الرابعة من العقوبات متباينة أشد التباين، لكن المؤكد أنه ربما كان من السابق لأوانه الحكم على جدوى هذه العقوبات، وقياس تأثيرها على إيران في الداخل والخارج. فالفترة الزمنية قصيرة، ومن الصعب الجزم في هذه المرحلة المبكرة إن كانت هذه العقوبات مؤثرة وناجحة في تغيير سلوك إيران ومواقفها من برنامجها النووي، أم أنها ستكون عابرة وفاشلة وعديمة الجدوى كغيرها من العقوبات الاقتصادية الدولية التي لم تتمكن من تغيير السياسات مهما كان عمقها وطالت مدتها.

المؤشرات الأولية تظهر أن العقوبات الاقتصادية ستزيد من التوترات والاحتقانات في منطقة الخليج العربي، وستكون مؤلمة بالنسبة لإيران وستزيد من عزلتها السياسية والاقتصادية لكنها لن تدفع إيران إلى الاستسلام ورفع الراية البيضاء لواشنطن.

والأهم من ذلك أن العقوبات ستضع دول مجلس التعاون، وبالأخص دولة الإمارات، الشريك التجاري الخليجي الأول والأكبر لإيران في موقف صعب. فهذه الدول هي الأكثر قربا من إيران جغرافيا، والأكثر تأثرا بالتوترات الإقليمية وستكون الأكثر تضررا اقتصاديا بحكم عمق وتداخل علاقاتها التجارية مع إيران وستحدد أكثر من غيرها نجاح وفشل القرار 1929 في التأثير على السلوك الإيراني.

لا شك أن إيران هي الدولة المعنية مباشرة بهذا القرار الدولي. وقد خسرت معركة منع صدور هذا القرار وكانت حساباتها خاطئة، واتضح أن رهانها على روسيا والصين ولاحقا تركيا والبرازيل في غير محله. ففي لحظة اللحظة، وعندما حانت ساعة الحسم وقف المجتمع الدولي موحدا ضد غطرسة طهران، وتعامل معها كدولة مارقة وخارجة على القانون ولا تراعي التزاماتها الدولية.

العزلة السياسية التي تعيشها إيران حاليا صعبة، لكن أهم بند في القرار 1929 هو البند الذي يستهدف مؤسستها العسكرية ويمنع تصدير الأسلحة الثقيلة وقطع الغيار وصيانة المعدات وأي شكل من أشكال التعاون الفني العسكري معها، بما في ذلك تفتيش السفن في حالة الاشتباه أنها تحمل معدات عسكرية متوجهة إلى إيران. تطبيق هذا البند من القرار سيؤثر على القوة العسكرية الإيرانية التي تضخمت كل الضخامة في الآونة الأخيرة. إيران كقوة عسكرية ستتراجع على المدى المتوسط والبعيد، مما يعيد موازين القوة في المنطقة إلى وضعها الطبيعي قريبا، خاصة مع استعادة العراق لبعض من عافيته وتحديث دول مجلس لتعاون لقدراتها العسكرية الدفاعية والهجومية، على نحو صفقة الأسلحة الأميركية للسعودية بمبلغ 60 مليار دولار.

القراءة السياسية للعقوبات المفروضة على إيران تشير إلى أن الهدف الاستراتيجي للقرار 1929 هو عزل إيران دبلوماسيا وإضعافها عسكريا وإنهاكها اقتصاديا والحد من تمددها إقليميا. الغرب السياسي، بما في ذلك روسيا، والمجتمع الدولي بما في ذلك الصين يسعى حاليا لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي، وليس أمام دول مجلس التعاون سوى المساهمة بدورها في إنجاز هذا الهدف الذي ربما سيعيد التوازن لموازين القوة في الخليج العربي التي اختلت لصالح إيران منذ غزو العراق عام 2003.

رد الفعل الإيراني السريع هو المكابرة وعدم الاستسلام، والسير في البرنامج النووي والصاروخي، وتحدي المجتمع الدولي علاوة على تمحور النشاط الإيراني الداخلي والخارجي حول الخيار النووي، وعسكرة المجتمع الاقتصادي في إيران التي بلغت مستويات حرجة في ظل إدارة أحمدي نجاد وفي مرحلة العقوبات.

عسكرة المجتمع الاقتصادي الإيراني مرحلة نوعية جديدة، ويمكن أن تكون تداعياتها في غاية الخطورة للأمن والاستقرار الإقليمي. كما أن تمحور السلوك الإيراني الداخلي والخارجي حول الخيار النووي سيدفع بدولة المنطقة نحو جولة جديدة من سباق التسلح التقليدي والنووي، مما سيزيد من التوترات في الخليج العربي ويجعل التعامل مع إيران الصعبة أكثر صعوبة. إن أحد أهم تداعيات القرار 1929 هو احتمال زيادة التوترات الإقليمية وجعل الخليج العربي المتوتر أكثر توترا سياسيا وأمنيا.

لذلك فإن السؤال السياسي الذي يواجه دول مجلس التعاون في هذه المرحلة المبكرة من مراحل تطبيق القرار 1929 هو هل العقوبات الاقتصادية خطوة في اتجاه حرب جديدة في المنطقة أم خطوة نحو الابتعاد عن شبح مواجهة عسكرية رابعة في الخليج العربي؟

الإجابة على هذا السؤال ستحدد الموقف السياسي من العقوبات الاقتصادية على إيران. فإذا كان الهدف العميق من العقوبات الاقتصادية إضعاف إيران عسكريا وسياسيا، فهو هدف مرحب به من قبل دول مجلس التعاون التي لديها قلق مشروع من التمدد الإيراني في الشأن العربي. ليس أمام هذه الدول، وخاصة دولة الإمارات، سوى التشدد وليس التساهل في تطبيق القرار 1929. أما إذا كان الهدف غير المصرح به من العقوبات الاقتصادية هو التمهيد لارتكاب حماقة عسكرية، فعلى دول مجلس التعاون الابتعاد كليا ونهائيا من هذا الخيار الذي يضر بمصالحها الوطنية. فخيار الحرب هو خيار إسرائيلي حتى لو تم تنفيذه أميركيا. المواجهة العسكرية لن تضعف إيران بل ستفتح الباب لكافة الاحتمالات السيئة، وستكون دول مجلس التعاون الأكثر تضررا.

* أستاذ العلوم السياسية

في جامعة الإمارات