توفيق الحكيم وأنا: كانت لنا نظرية فلسفية ناقصة!

TT

يوم أصدر توفيق الحكيم كتابه الفلسفي عن (التعادلية) لم يلق ما يستحقه من الاهتمام مع الأسف. وسخر منه كثيرون. وكنت من بينهم. مما ضايقني جدا بعد ذلك. فالحكيم مجتهد وله نظرية. وهو لم يدّع أنه حل مشاكل الكون. ولكنه حاول في مساحة صغيرة. وعندما قرأت فلسفة الحكيم كتبت مقالا طويلا معتذرا عن سوء فهمي وتعجلي في الحكم عليه. وكان الحكيم سعيدا بذلك.

وفي ذلك الوقت قلت للحكيم: إنني أحاول أن تكون لي نظرية فلسفية.. هي ليست إلا فرعا صغيرا على شجرة الوجودية. وإنني فسرت كذا وشرحت كذا وأضفت كذا.. وإنني وجدت مكانا للتعادلية في هذه الدراسة الفلسفية التي لم تكتمل في دماغي بعد..

فكانت المفاجأة الكبرى، قال الحكيم: إذن نجلس معا وتتداخل فلسفتك في فلسفتي ونختار لها اسما آخر. وأنت ماذا أطلقت على نظريتك؟ قلت: سميتها الإيكارية

فسألني: يعني إيه؟

هي نسبة للبطل الإغريقي إيكاروس الذي سجن هو وأبوه في جزيرة قبرص. ولكن الأب وجد حلا لهذا المأزق. فقد وضع ريشا طويلا لابنه ولنفسه. وألصق هذا الريش بالصمغ. وهرب الاثنان من الأسر متجهين إلى جزيرة كريت. وقبل أن ينطلقا إلى الحرية نصح الأب ابنه وقال: كن بعيدا عن الشمس حتى لا تذيب الصمغ في جناحيك فتقع في البحر.. ليكن طيرانك قريبا من الماء ومن الأرض وحاول ما استطعت ألا تستسلم لإغراء الطيران والشعور بالخفة وأنت تعلو وتعلو قريبا من الشمس..

وحدث ما كان يخشاه الأب. فقد ارتفع إيكاروس وذاب الصمغ وسقط في الماء.. لقد كان ضحية حب الاستطلاع.. ضحية العلو والسمو والمغامرة والتجربة. إنها قصة ابن نوح الذي قفز من السفينة ليعتصم بأحد الجبال.. فقال له: لا عاصم اليوم من أمر الله..

وغرق ابن نوح كما غرق إيكاروس.

وطلب مني الحكيم أن أتركه بضعة أيام يفكر ويفكر.. وما زال يفكر ويفكر حتى توفي.. لا التحمت النظريتان ولا أنا أكملت نظريتي حتى اليوم!