المساهمات المنسية

TT

اعتدنا على ذكر مساهمات الحضارة العربية الإسلامية في التراث العالمي وتطور النهضة الأوروبية الحديثة. حيثما تلتفت ترى أسماء ابن رشد وابن خلدون والغزالي والفارابي وسواهم. والأوروبيون بدورهم يعترفون بهذا الفضل. ونحن نجري مجراهم، دون أن نلتفت لما يسهم به الكثيرون منا، المغتربون منا بصورة خاصة، في الإنجازات والنشاطات الجارية في العالم الغربي اليوم. لا تسمع عن العرب والمسلمين إلا في صدد العمليات الإرهابية والأعمال الجنائية والمخالفات القانونية. هناك في أوروبا ما يقرب من عشرة ملايين مسلم. أكلهم إرهابيون ومجرمون؟ من إذن كل هؤلاء الأساتذة في الجامعات والعلماء في معاهد الأبحاث والفنانون والكتاب في شتى ميادين الفن والأدب الذين يحملون هذه الأسماء العربية، حسن وحسين ومحمد، الخ. تسمع عن منجزاتهم دون أن تسمع عن أصولهم وجذورهم. ولكن ما إن يقترف حسن أو حسين أو محمد جريمة إلا وأشاروا إلى حسبهم ونسبهم، أصلهم وانتسابهم وبلدانهم التي تحدروا منها.

يتذمر الغربيون الآن إلى حد هستيري من وجود هذه الأقليات الكبيرة من المسلمين، ويدعو بعضهم إلى التخلص منهم دون أن يتذكروا كيف جاءوا ولماذا ومن دعاهم للمجيء. لا يشكل اللاجئون غير أقلية ضئيلة جدا. الأكثرية عمال وحرفيون ومهنيون وأساتذة وأطباء جيء بهم لسد فراغات واحتياجات في قطاعات العمل. يعترف علماء الاقتصاد بمساهماتهم الكبرى في تغذية وتنمية الاقتصاد الغربي. تلتهم الولايات المتحدة أدمغة المهاجرين المتخصصين من العالم الثالث بما يوفر لها أكثر مما تقدمه من مساعدات للعالم الثالث.

أشرت في مقالتي السابقة إلى اثنين من الموسيقيين العرب؛ السودانية أميرة خير، واللبناني عبد السلام خير، وما أسهما به كمغتربين في ميدان الموسيقى في بريطانيا. إنهما نموذجان فقط من مئات الفنانين والأدباء المغتربين الذين يلعبون دورهم في الحياة الفنية والفكرية في هذه البلاد. أنا طبعا واحد منهم. أنفق العراق على تعليمي ولكنني قدمت ثمرات ما تعلمت لبريطانيا. قل مثل ذلك عن مئات الأساتذة والعلماء المسلمين العاملين في الغرب. أوحت لي مقالتي السابقة «خير على خير» أن أرفع رايتهم وألفت العالم إلى الدور المنسي الذي يتجاهله الغربيون، الدور الذي يلعبه العرب والمسلمون في مسيرة الحضارة الغربية المعاصرة ومنجزاتها، من الاكتشافات الطبية والتكنولوجية إلى مباريات كرة القدم وموسيقى البوب، إلى دعم الاقتصاد الغربي وإدامة ما لديهم من خدمات وإنقاذ بنوكهم وشركاتهم من الإفلاس.

فليكن آخر ما أقدمه لهم، كتابا يشيد بمساهمات العرب والمسلمين، المعاصرين وليس الغابرين، في المدنية القائمة في هذا البلد الذي أصبح موطنا لي، بريطانيا. ورغم أنه سيكون مشروعا شخصيا وفرديا لا يدعمه أحد، فإنني سأكون شاكرا لكل من يغنيني بالمعلومات ويرشدني إلى مصادر لم أطلع عليها وحكايات ومنجزات لم أسمع بها. والله المستعان.