مزاج على مقام النكد!

TT

اضطر نجيب الريحاني العظيم ذات مسرحية إلى أن يرد قيمة التذكرة لأحد الحضور، لأن «تكشيرته» أربكت الريحاني، وجعلته يفقد تأثيره على الجمهور، فودعه إلى باب القاعة ناصحا الرجل بأن يرفع شكوى عاجلة ضد الذين سرقوا فرحه. فالبعض لا يضحك ولا للرغيف الحار، فتجده في حالة تجهم، راسما على وجهه «تبويزة» تكفي لإفزاع طيور الابتسامة من أن تحط على شفتيه، وهذا النوع من الناس لا يفرح ولا يدع الآخرين يفرحون، وتجد هؤلاء أحيانا في الصفوف الأولى لمشاهدة إحدى المسرحيات الكوميدية، فتشفق على الجهد الشاق الذي سيبذله الممثلون لفتح الأقفال الغليظة التي تدلت على الشفاه لجعل هؤلاء يضحكون.

ولي صديق من الكتّاب، أشعر في كل مرة ألتقي به أن السماء سوف تطبق على الأرض، فهو مهموم في انتظار حدوث الذي لا يحدث، وعبثا تحاول تغيير مزاجه المدوزن على مقامات الكآبة والتجهم والنكد، وتسأله عن تاريخ آخر ضحكة له صدرت من القلب، فيجيبك بأن التاريخ ترسانة شقاء، ليس فيه ما يبهج، فتضطر إلى الهروب منه متذرعا بصعوبة التنفس. وصديقي هذا تزوج ثلاث مرات؛ الأولى هربت في شهر العسل، والثانية لم يحل عليها الحول، والثالثة صمدت ثلاث سنوات قبل أن تنفد بجلدها وتهرب من الدنيا، وكنت أذكر صديقي الكاتب والأديب بأن قمم الفن والأدب أمثال: مارك توين، وبرنارد شو، وديكنز، وبيكاسو، وحافظ إبراهيم، والمازني، والبشري كانوا أهل فكاهة، ومرح، وخفة ظل، حتى إن عبد العزيز البشري حين قام لقضاء حاجته، رسم أحدهم على جبته بالطباشير وجه حمار، فلم يتردد في السخرية من خصمه، إذ راح يسأل:« من منكم مسح وجهه في الجبة؟!»، واعترضت توفيق الحكيم امرأة تسأله: «ألا تتذكرني يا أستاذ توفيق، أنا فلانة التي خطبتها ذات يوم؟»، فرد الحكيم على الفور: «وهل تزوجتك يا امرأة؟!»، وقد علم الموسيقي الإيطالي روسيني أن الحكومة تعتزم إقامة تمثال له في إحدى المدن، وأدرك أن عمل التمثال سوف يكلف مبلغا كبيرا من المال هو أحوج ما يكون إليه، فكتب إلى الحكومة قائلا: «ادفعوا لي تكاليف التمثال، واعرضوني شخصيا طوال حياتي أمام الجمهور في أي مكان تريدون».

صديقي هذا ليس العضو الوحيد في حزب النكد، فالتجهم «على قفا من يشيل»، لا حرمنا الله وإياكم من بهجة الابتسامة.

[email protected]