حماس.. والحوار

TT

ليست هي المرة الأولى التي تعلن فيها حماس رغبتها في فتح حوار مع الولايات المتحدة، الجديد فقط هذه المرة هو الإلحاح على ذلك من خلال بيان يؤكد توجيه رسائل إلى أوباما عبر وفد من شخصيات أميركية زار غزة مؤخرا، تدعوه إلى فتح حوار مباشر معها وإزالة ما تعتبره الحركة فيتو أميركيا على المصالحة الفلسطينية، وحرصت حماس على التأكيد بأنها ليست ضد إقامة دولة فلسطينية على حدود 67، وهو نفس طرح غريمتها السلطة الفلسطينية.

وإذا كان الموقف هو حقيقةً هكذا، فإن السؤال المحير الذي يظل قائما هو: إذن ما هو أصل الخلاف بين الحركة والسلطة الذي استدعى انقلابا سال فيه دم وأدى إلى انشقاق حاد في الحركة الفلسطينية وحكومتين: الأولى يعتبرها العالم شرعية في رام الله، والثانية غير شرعية لكنها قائمة ومتمترسة بالسلاح والأنفاق والأمر الواقع في غزة؟ والسؤال الذي يتبعه هو عن مضمون الحوار الذي تريد حماس أن تفتحه مع واشنطن؛ هل هو متعلق بالمشاركة في المفاوضات المباشرة بشأن مشروع الدولة الفلسطينية الذي يجري الحديث عنه وكل ما يتعلق بالترتيبات المحيطة بها سياسيا وأمنيا؟ أم أن الحوار سيقتصر فقط على محاولة الحصول على شرعية بالوضع القائم في غزة.. أي بعبارة أخرى: تكريس الانقسام الفلسطيني؟

المرجح هو أن حماس هذه المرة تخشى أن يفوتها القطار وهي ترى الإصرار على تحريك عجلة المفاوضات المباشرة بين أبو مازن ونتنياهو برعاية أميركية، بينما تبدو واشنطن راغبة في محاولتها الجديدة في الشرق الأوسط في تفادي أخطاء محاولات سابقة، بقيامها حاليا بتوسيع دائرة آفاق عملية السلام لتشمل الأطراف الأخرى، وهي سورية ولبنان. وهو ما يتوقع أن تستجيب إليه دمشق بعد تجربتها في المفاوضات غير المباشرة برعاية تركية، ولو استجابت دمشق فسيدخل لبنان هو الآخر.

المشكلة ليست في الحوار في حد ذاته، ولكن في متطلبات الحوار ومدى استعداد حماس للاستجابة لها، فهي تحتاج إلى تغيير الكثير من المواقف السابقة لها حتى تصبح طرفا له مصداقيته. فهي كانت من بداية أوسلو وخلال فترة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ضد التفاوض وعملت بكل قوة لنسف مسيرة السلام بالتفجيرات والعمليات الانتحارية، إلى آخر هذا المسلسل المعروف الذي انتهى إلى الوضع الحالي. وحتى مع انطلاق جولة المفاوضات المباشرة الحالية في واشنطن، نفّذ جناحها العسكري هجومين في الضفة الغربية، وليس معروفا ما إذا كان هذا قرارا وافقت عليه قيادة الحركة أم مبادرة من ميدانيين كما وصفهم أحد قادة الحركة. عموما، لم تتأثر المفاوضات فقد أصبحت هناك حصانة في ضوء التجارب السابقة.

وإذا كان ما أعلنته الحركة على لسان أكثر من قيادي فيها بأنها ليست ضد الطرح الخاص بإقامة الدولة على حدود 67، فليس هناك مبدئيا مشكلة. لكن لا أحد سيأخذ هذا على محمل الجد إذا كان ذلك مجرد تصريحات أو حوارات صحافية، أو بيانات توزع على وسائل الإعلام، بل يحتاج الأمر إلى إعلان رسمي مقر ومعتمد من قيادات الحركة بحيث يكون خطا سياسيا رسميا.

هل يمكن الرهان على إمكانية حدوث ذلك؟! المؤشرات تفيد بأنه لا يوجد طريق غير هذا. وحماس ستتحرك في اتجاهه، إذا كانت تريد أن يكون لها مستقبل سياسي في الدولة الفلسطينية المقترحة، في حال استطاعت المفاوضات أن تصل إلى نتيجة. وهي لا يخفى عليها تململ أهالي غزة ونكاتهم التي تتداول برسائل الهواتف الجوالة والمواقع الإلكترونية حول طريقة حكمها في غزة. وإذا حدث ذلك، فستكون المصالحة سهلة، ومشاركة حماس في التفاوض أسهل من خلال حكومة فلسطينية موحدة.