السعوديون.. والعالم الجديد

TT

واجه السعوديون، منذ الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001م وإلى اليوم، أسئلة كثيرة عن إشكالية استقرار بلادهم، وعن مستقبلها، في عالم جديد، بدأ يتشكل بعد ذلك التاريخ، مقارنة بدول أخرى في العالم الثالث. كما راهن المقامرون، وأرجف المرجفون، باسم الإصلاح، على قدرة هذه الدولة، «المملكة العربية السعودية» على الاستمرار والبقاء بعد تلك الأحداث.

والسعودية ليست استثناء، فهي تعاني، باعتبارها جزءا من العالم الثالث، من مخاض حضاري عميق. وهي كغيرها من هذه الدول، مستمرة في البحث عن ذاتها، وعن موقع لها في هذا العالم الجديد، لتسهم من خلاله في دعم الاستقرار والسلام العالميين، انطلاقا من رسالتها الإسلامية وأصالتها العربية ومكانتها الاقتصادية، وتكون عنصرا إيجابيا في صنع حضارة إنسان اليوم.

إن كثيرا من دول العالم الثالث تعاني تفككا من الداخل، بسبب حروب أهلية أو فقر أو تغييب للتنمية. ودول قليلة أفاء الله عليها، إلا أنها تسير نحو المجهول أيضا، جراء الاحتراب بين فئات داخلية، تتجاذب هواجس الماضي وقلق المستقبل. إلا أن السعودية، دولة وقيادة، لم تسمح لتلك الأخطار أن تسيطر على مشهدها، وتؤثر في توجهها. بل جعلت منها نوعا من التحدي الذي يجب وضعه في سياقه، وعدم إخراجه عن إطاره العملي والواقعي.

لقد استطاع السعوديون، بعقلانية متناهية، أن يقوموا بتحييد الصراعات الداخلية، وشل معادلة الغلبة والاستقواء من فئة على أخرى؛ تلك المعادلة التي أضرت باستقرار وأمن كثير من دول العالم الثالث. وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، مرت السعودية كذلك، بتجربة غنية، كشفت عن الخطر الخارجي الذي قد يواجهها، وربما يؤثر على علاقاتها الدولية، بل على مضمونها الديني وكيانها المادي. إلا أن الدبلوماسية السعودية الراشدة نجحت في الحفاظ على مكانتها السياسية والدينية والاقتصادية، بما تحمله من قيم الإسلام وسماحة الشريعة وقوة الاقتصاد، والتواصل العالمي بالمبدأ القرآني: «وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا».

إن العالم الثالث، عموما، يواجه إشكالية كبرى في مشروع بناء الدولة الحديثة، والتفاعل بإيجابية مع العالم الجديد.. من نظم عسكرية مستبدة، إلى وصفات مستوردة من الغرب والشرق بعلاتها، إلى تبني مقولة: «الإسلام هو الحل»!

وواجهت السعودية تلك الإشكالية بترسيخ وحدة الدولة، والتواصل الوثيق مع المجتمع، كما مضت قدما في مسيرة التحديث المتعقل، فنجحت في تحقيق كثير من التوازنات التي قد يظنها البعض تناقضا، لقصور في تصوره. ومشروع السعوديين للدولة يتجاوز التفكير الطائفي والحزبي والعشائري. وشرطهم في بناء الدولة واستمراريتها، هو سلامة العقيدة، وتحقيق العدل، وضمان الوحدة الداخلية، وتحقيق التنمية، ومد الجسور مع الآخر. فاستطاعوا بذلك أن يتعاملوا مع هذه الإشكالية، مستفيدين من منهجهم السياسي المعتدل الذي أسس له موحد دولتهم الملك عبد العزيز، رحمه الله. كما استفادوا من رحابة الفكر الإسلامي وتسامحه، وقدرته على التجديد والتطوير، ودعم الشخصية الحضارية للإنسان.

إن ثقافة الاحتراب والتكفير والتخوين والتمييع والتجهيل قد أرهقت عقل إنسان العالم الثالث، العربي والإسلامي منه خاصة، وأفسدت قلوب الناشئة، مما أفقد مجتمعات تلك الدول كثيرا من وهج الروح الواثقة، السمحة، المبدعة، وفرص التعايش والنماء. إلا أن السعوديين استطاعوا وباقتدار باهر كبح جماح تلك الثقافة بنموذجهم الإسلامي والسياسي المعتدل، فأهلهم ذلك للعودة مجددا، لممارسة دورهم الرئيسي والمؤثر في هذا العالم الجديد.