شطرنج نتنياهو

TT

منذ أشهر ونتنياهو يتعرض لضغط الحكومة الأميركية لاستئناف مفاوضات السلام والوصول إلى حل لهذه المسألة المستعصية. ولم يملك الرجل غير أن يستجيب لهذه الضغوط أخيرا، ولا سيما أن قطاعات غير قليلة من اليهود المعتدلين أخذوا يتململون وينتظرون من تل أبيب أن تفعل شيئا في هذا الاتجاه ولا تحرج مركزهم في الولايات المتحدة. استجاب أخيرا ولكن على الطريقة الإسرائيلية في الاعتماد على العرب في نسف أي محاولة لتسوية سلمية. يقولون إن نتنياهو خبير جدا في معرفة شرايين المخلوق الأميركي، ولكن يبدو أنه لا يقل خبرة في معرفة شرايين العرب.

صرح مؤخرا أنه سيسعى لتسوية تتضمن كثيرا من التنازلات الموجعة بالنسبة لإسرائيل. كيف انقلب الذئب إلى حمَل؟ اشتهر نتنياهو بين قومه في إسرائيل بموهبته في فن التمثيل. ومن متطلبات أي ممثل أن يكون قادرا على التقمص بجلد ذئب أو أسد أو خروف أو أي مخلوق من مخلوقات الله التي ركبت فلك نوح عليه السلام. وهكذا سهل عليه هذا الانقلاب من جلد ذئب إلى جلد حمَل. سيفاوض الفلسطينيين بسخاء وكرم وفي داخل نفسه ذلك الإيمان القوي القائم على كل تجارب الإسرائيليين مع العرب، الإيمان بأنهم لا يفوتون فرصة لإضاعة أي فرصة. سيرفضون مقترحات نتنياهو كما فوتوا مقترحات كلينتون. وإذا قبلتها السلطة الفلسطينية في الضفة فإن حماس سترفضها، وإذا قبلتها حماس فسترفضها «الجهاد الإسلامي»، وإذا قبلها الجهاديون فستندد بها كتائب القسام أو الجبهة الشعبية أو حزب الله أو سواهم. وعندئذ تقع سلسلة من الاغتيالات بحق الخونة وأنصار التطبيع، وقد تندلع حرب أهلية بين الفلسطينيين، فتنفتح جبهة ثالثة للبنتاغون تضاف إلى مسؤوليات أفغانستان والعراق، فيضطرون إلى تجنيد مرتزقة من بولندا.

يركب نتنياهو الطائرة أثناء ذلك ويسرع إلى واشنطن ويعرض يده البيضاء ويقول: «انظروا! ألم أفعل كل شيء من أجل السلام؟». «بارك الله فيك، ولن ننسى لك فضلك». يعود إلى إسرائيل وفي يده كتاب اعتماد بعشرة مليارات دولار مكافأة لإسرائيل على ما فعلته من أجل السلام. ويسمعون بذلك في ستوكهولم فيقررون بالإجماع منح نتنياهو جائزة نوبل للسلام.

ثم يخطر ببالهم شخص آخر لا يقل أهمية في مضمار تحقيق الانسداد العربي وتهيئة الفرص الضائعة، الوسيط الدولي للشرق الأوسط، توني بلير. يعدلون قرار المنح ويشركونه فيه في اقتسام قيمة الجائزة مع نتنياهو. فلا يمكن القيام بأي شيء في العالم الآن دون أن تكون فيه حصة لرئيس الحكومة البريطانية الأسبق، حامل لواء غزو العراق. يبادر توني بلير لتقديم فاتورة جديدة عن نفقات سفره إلى ستوكهولم لاستلام الجائزة، كاملة مع نفقات الأكل وأجرة التاكسي، يضيفها إلى قائمة الفواتير التي تجاوز مجموعها المليون باوند في السنة الماضية عن نفقات مسيراته بين العواصم العربية وتل أبيب لتحقيق السلام في الشرق الأوسط. يظهر أنه هو الآخر أصبح خبيرا في معرفة شرايين العرب.