في حال نجاح المفاوضات.. ما هو مصير حماس؟!

TT

حتى لو تكللت «المفاوضات المباشرة»، التي انطلقت في واشنطن في الثاني من هذا الشهر بالنجاح وانتهت بالتوصل إلى الحل المطلوب الذي يضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة والاتفاق على كل القضايا العالقة الأخرى فإن بقاء حماس خارج هذا الحل واستمرار هذه الدولة الهزيلة في غزة يتطلبان الإجابة على الكثير من الأسئلة التي كلها تدور حول إمكانية صمود أي سلام يتم التوصل إليه بين منظمة التحرير وإسرائيل برعاية أميركية ومباركة عربية إنْ مكتملة وإن ناقصة.

وبداية فإنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار، ونحن بصدد الإجابة على بعض هذه الأسئلة، ما إذا كان هذا الحل الذي قد يتم التوصل إليه سيكون إقليميا ويشمل المسار السوري والمسار اللبناني أم أنه سيكون منفردا ويقتصر على القضية الفلسطينية؛ فالمؤكد أن دمشق إن هي ضمنت ألا تبقى مستفردة فإنها ستكيف موقف حماس بما يتلاءم مع كل هذه المستجدات حتى وإن بقيت إيران ترفض وتقاوم العملية السلمية بأبعادها الحالية.

إنه من غير الممكن، بعد كل هذه التجربة الطويلة، أن تكون هناك مصالحة بين حماس وفتح لا وفقا لـ«الورقة المصرية» ولا لغيرها اللهم إلا إذا وقع زلزال سياسي في المنطقة وانتهى هذا الخلاف المصري - الإيراني المستحكم بقدرة مقتدر في ساعة رحمانية. فالمواقف ليست متعارضة فقط بل متناقضة، والمواجهة بعد انقلاب غزة عام 2006 بين هاتين الحركتين باتت تأخذ الطابع الإلغائي الذي لا يسمح لا بالحلول الوسطى ولا بالتعايش ولا حتى بالاحتكام إلى الشعب الفلسطيني من خلال الانتخابات الديمقراطية. ولعل ما يعزز هذه الحقيقة أن حماس، بينما كان موسم «المصالحة» على أساس «الورقة المصرية» في ذروته، لم تخف من خلال تصريحات قادتها أنها تسعى لانقلاب عسكري آخر في الضفة الغربية على غرار انقلاب غزة في عام 2006 والمؤكد أحد أهداف عملية الخليل التي جرى توقيتها لتستبق انطلاق المفاوضات المباشرة بساعات قليلة هو إفهام الإسرائيليين والأميركيين أنها القادرة، إن هي حلت محل السلطة الوطنية بقوة السلاح، على الالتزام بكل الاتفاقات الأمنية التي قد تسفر عنها العملية السلمية الجارية الآن.

وهنا ولإدراك حقيقة أن المراهنين على أن حماس ستلحق في النهاية بركب العملية السلمية وستقبل بأن تصبح شريكا لفتح ومنظمة التحرير في النتائج التي ستسفر عنها هذه العملية، إنما يراهنون على ما يمكن وصفه بأنه سراب صحراء، نقول إن هذه الحركة أنشأها التنظيم العالمي للإخوان المسلمين بعد إخراج هذه المنظمة وقواتها وفصائلها من بيروت عام 1982 لترث الحالة الفلسطينية كلها، والمؤكد أن الإسرائيليين قد ساهموا إن بشكل أو بآخر في هذا التحول أو على الأقل غضوا نظرهم عنه ليتخلصوا من حكاية الممثل الشرعي والوحيد وليتحاشوا التوجه العالمي الذي أخذ يضغط في اتجاه ضرورة التفاوض مع هذا «الممثل الشرعي والوحيد» لإنهاء صراع الشرق الأوسط الذي استطال أكثر من اللزوم.

وهكذا وبعيدا عن أي تشكيك أو تخوين، لا سمح الله، فإن لقاء المصالح بين التنظيم العالمي للإخوان المسلمين وبين إسرائيل في فترة ثمانينات القرن الماضي، بعد إخراج منظمة التحرير وقواتها وفصائلها من لبنان، قد أنجب حركة حماس والهدف بالنسبة للإسرائيليين هو التخلص من استحقاق عملية السلام من خلال التخلص من «الممثل الشرعي والوحيد» وخلق المبرر المقبول عالميا لادعائهم (اللاحق) بأنهم لا يجدون الطرف الذي من الممكن مفاوضته بينما الهدف بالنسبة لـ«الإخوان» هو أن تكون خطوتهم الأولى للسيطرة على دول هذه المنطقة بعد ضمان سيطرة فرعهم الفلسطيني الذي أعطي اسم حركة المقاومة الإسلامية على الحالة الفلسطينية التي ظنوا أنها باتت لقمة سائغة بعد الغزو الإسرائيلي للبنان في يونيو (حزيران) عام 1982 وما ترتب عليه من ترحيل لعرفات وقواته عن الأراضي اللبنانية.

لقد كان عرفات يعرف ويدرك هذا منذ أن اتخذ التنظيم العالمي للإخوان المسلمين قرار إنشاء حركة المقاومة الإسلامية. ولهذا ولاحتواء هذه الحركة فقد بادر (أبو عمار) للانفتاح عليها لعدم قدرته على إحباط محاولة إنشائها بعد إخراجه وإخراج قواته من بيروت، فجرت مفاوضات «ماراثونية» فعلا في كل سنوات النصف الثاني من عقد ثمانينات القرن الماضي، وقد استمرت هذه المفاوضات متقطعة ومن دون إحراز أي تقدم أو نجاح حتى رحيله في عام 2005 حيث تلاحقت الأمور بعد ذلك بصورة «دراماتيكية» وانتهى الوضع إلى انقلاب غزة الدموي وقيام هذه الدولة الهزيلة فتحقق ما أراده الإسرائيليون، حيث أصبح هناك شريك فلسطيني آخر لمنظمة التحرير في حكاية الممثل الشرعي والوحيد.

لقد بدأت مفاوضات عرفات، الذي كان يعرف غاية وهدف إنشاء التنظيم العالمي للإخوان المسلمين لهذه الحركة، في وقت مبكر في ثمانينات القرن الماضي وهو، أي (أبو عمار)، ولأنه كان مصرا على استيعاب هذه الحالة المستجدة قبل أن تتنامى وتصبح لها ارتباطات إقليمية ودولية فإنه أظهر «كرما» زائدا بأن عرض عليها أن يصل عدد ممثليها في المجلس الوطني إلى 40%، لكن حركة حماس التي كانت تصر ولا تزال على أن تكون البديل لمنظمة التحرير وعلى أن ترث الحالة الفلسطينية كلها بقيت تماطل وتراوغ بينما كانت تواصل حوارا كحوار الطرشان إلى أن انتهى وضع الرئيس الفلسطيني الراحل إلى ما انتهى بعد الانتفاضة الثانية، انتفاضة الأقصى، فبادرت إلى تنفيذ ضربتها التي انتظرتها طويلا وقامت بانقلاب غزة في عام 2006 وأنشأت هذه الدويلة الملتحية في «القطاع» على أنقاض السلطة الوطنية.

وهنا فإنه يجب عدم إغفال أن دخول العامل الإيراني على خط الوضع الفلسطيني بعد اتفاقيات أوسلو مباشرة قد عزز إصرار حماس على تنفيذ المهمة التي أنشئت من أجلها وهي تدمير منظمة التحرير والتخلص من حكاية الممثل الشرعي والوحيد. ولذلك فإن ما يجب إدراكه منذ الآن هو أنه إنْ لم يصبح الحل المنشود حلا إقليميا يشمل المسار السوري وباقي ما تبقى من المسار اللبناني وعلى نحو قد يرضي إيران بشكل أو بآخر، فإن حركة المقاومة الإسلامية ستبقى خارج هذه الدولة وإنها ستزداد تمسكا بدويلة غزة الملتحية وإنها ستواصل السعي الدؤوب لتنفيذ انقلاب عسكري في الضفة الغربية على غرار انقلاب غزة الدموي المشؤوم.