«ذا إنفزيبول» فَرَج!

TT

نعرف الكثير عن «الإنفزيبول هاند» أو اليد الخفية في الفكر الاقتصادي لآدم سميث، ولكن ماذا عن «الإنفزيبول» فَرَج؟ وفَرَج هذا اسم لشخصية من حواري القاهرة يأتي ذكرها لاحقا. هناك حوار ساخن في الغرب عن اليد الخفية التي تحرك الاقتصاد الرأسمالي، بمعنى هل كان آدم سميث رجلا دينيا يؤمن بيد خفية تنظم الكون ومنها الاقتصاد، أم أنه كان رجلا علمانيا دارسا للاقتصاد فقط. الداعون إلى دراسة آدم سميث كرجل علماني، يقولون بأنه لا يمكن فهم فكرة اليد الخفية دونما فهم فلسفة سميث في النظام الاجتماعي، ويؤكدون أن عبارة «ذا إنفزيبول هاند» أو اليد الخفية لم ترد إلا مرتين أو ثلاث مرات في النص الأصلي. والمناظرات مستمرة، عن ماهية فكر سميث، هل هو علماني أم أنه ديني، أم أنه فكر علماني محاط بغشاء من اللغة الدينية اللاهوتية؟

في الغرب تنظم اليد الخفية الاقتصاد، وعندنا ينظم السياسة فَرَج الخفي، أو «ذا إنفزيبول فرج». فرج شخصية محورية في رواية نجيب محفوظ الموسومة بـ«زقاق المدق»، وللذين لم يقرأوا الرواية، فإن فرج هو أيضا يوسف شعبان في الفيلم من بطولة الفنانة شادية التي قامت بدور حميدة بنت الزقاق، وحسن يوسف، وإلى جانبهما يوسف شعبان وسمير صبري. الوظيفة الرئيسية للأستاذ فرج، الذي يعرف نفسه على أنه صاحب مدرسة، هو أنه يصطاد الفتيات ممن لديهن الموهبة والطموح، مثل حميدة، ولكن الدنيا سدت في وجوههن. فرج يفتح لهن أبواب الشهرة والمجد. يذهب للواحدة منهن ويغريها بأنه مغرم بها، ومتى ذهبت معه إلى شقته، غيّر من ملبسها ومكياجها وسلوكها، وعاش معها قصة حب لأسابيع ثم بعدها أدخلها المدرسة. ومدرسة الأستاذ فرج هي مدرسة لتخريج الراقصات أشباه المومسات وتعليمهن اللغة الإنجليزية، لإرسالهن للترفيه عن الجنود الإنجليز المحتلين لمصر. في الفيلم تعلمت حميدة، أن تغني أغنيتها الشهيرة «نو جوني نو»، ويقول حسن يوسف عبارته الشهيرة «عملها في هتلر ابن الـ...».

ومع ذلك، ما علاقة فرج بآدم سميث؟ آدم سميث هو فرج بعينه، ولكن آدم سميث رجل اقتصاد عندهم، وفرج رجل سياسة عندنا.

النظام السياسي عندنا، والذي يعتمد على نظام المكافأة لا الكفاءة، ينتج شخصية فرج، شخصية الشاب الفهلوي، الذي أناط به النظام مهمة استقبال العلماء والأدباء والموهوبين خصوصا القادمين من الخارج، من الحائزين على جائزة نوبل وغيرهم، ويأخذهم فرج إلى حيث الشهرة في البلد الأم، ليقابلوا الفنان هذا والممثل ذاك ويحتفي بهم بطريقة مبالغ فيها، وبعد أسبوعين من الحفاوة، يدخل العالم الشهير عالم العوالم، عالم فرج، يتحول تدريجيا إلى مومس، يفقد الثقة بنفسه، ويقتل فيه أي طموح سياسي. في فرج المدهش تتعرف على الفنانات اللاتي كنت تحلم بالجلوس معهن، يداعبنك، ويناغشنك، كل هذا في الأسبوع الأول، ثم بعدها تجد نفسك ملقى على قارعة الطريق، بعد أن يتسهلكك فرج والجنود الإنجليز.

فرج ليس شخصا واحدا، فرج شخصيات متفرقة «متنورة» في السيستم. في البداية، يقابلك فرج الصغير، أو صبي فرج، فيقول لك إنه سيكون المتحدث الإعلامي باسمك، فكيف تكون مشهورا في الغرب ولا يعرفك أهلك؟ لا بد أن نعيد رسم صورتك. بعدها يعقد فرج لك ندوة، وبعدها تقابل الوزير الفلاني، أي فرج الكبير. وبعدها تجد نفسك «قالع ملط» أمام وطنك تغني «نو يا جوني نو»، فاقدا كل ما لديك من مصداقية. مدرسة فرج قادرة على تحويلك من رجل محترم إلى مومس، تنقلك من عالم العلم إلى عالم العوالم.

الاقتصاد عندهم تحركه اليد الخفية، والسياسة عندنا يحركها «ذا إنفزيبول فرج». عندهم حوار عن الإنفزيبول هاند، فهل يكون لدينا أيضا حوار عن الإنفزيبول فرج؟