آخر تانغو.. في بيروت؟

TT

سبحان من حوّل لبنان إلى حلبة رقص دائم.. واللبنانيين إلى راقصين مبدعين.

بمجرد أن ينقر أحدهم الدف يندفع اللبنانيون إلى الرقص بحمية تحسدهم عليها شعوب الأرض قاطبة. ورغم أن للرقص أصوله في دول العالم كلها ومناسباته، فإن موسمه في لبنان مفتوح على مدار السنة وأصوله تتبدل بين رقصة وأخرى.

أحيانا يملّ عازفو الأوركسترا، وأحيانا أخرى «المايسترو». أما المتفرجون من عباد الله الصالحين فقد سئموا كل فصول الرقص التي أُجبروا على حضورها. أما الراقصون فهم آخر من يملّ أو يكلّ، خصوصا بعد أن تحولت حفلاتهم إلى مباريات في كسب ود المتفرجين.. فلا غرابة أن يظل الرقص في لبنان قائما على قدم وساق.

ولكن مشكلة مباراة الرقص الحالية في لبنان أنها تحولت إلى رقصة «تانغو» بامتياز، إيقاعها يستوجب نزول شريكين إلى الحلبة، «يعضد» أحدهما الآخر بالنقل والهز.. فرقصة التانغو، على حد تعبير المثل الإنجليزي المعروف، لا تستقيم إلا بخوض شريكين غمارها.. «It takes two to tango».

منذ صار لبنان لبنانَين، واللبنانيون فريقَين فولكلوريَّين، انتفت الحاجة إلى استثارة الهمم لضمان نزول راقصَين اثنين للتنافس على حلبة واحدة. الهمم مشحوذة والتدريبات قائمة. نقرة دف واحدة تكفي ليزحف الراقصون «المتبرعون» إلى الحلبة بهمة وحماس، إلا أن العثرة تقع دائما على المتفرجين.

حتى الآن، لم يشعر أي راقص، ومن أي فريق كان، أن المتفرجين ملّوا كل أشكال مباريات الرقص في لبنان، خصوصا أنها كلها تنتهي، بعد توقف العزف، «بلا غالب ولا مغلوب».. إلا ذلك الوطن الصغير الذي ارتضى بعض أبنائه تحويله إلى حلبة رقص يدوسون خلالها على ما تبقى من هيبته.

في أي بلد كان تكون العبرة للسوابق.. إلا في لبنان، فعزف «التانغو» مستمر رغم أن إيقاعه صار تقليديا و«نوتته» مدعاة سأم لكثرة تكرارها. وقبل هذا وذاك، رغم معرفة الراقصين والمتفرجين أن كل جولات الرقص اللبنانية ستنتهي بشعار الـ«لا غالب ولا مغلوب»، إن لم يكن بفعل إرادة المتفرجين اللبنانيين فحتما بإرادة الحكم الإقليمي لكل المباريات في لبنان.

مؤسف أن تضيع في خضم العزف ونشوة الرقص أصوات اللبنانيين الواقعيين - ولا أقول المخلصين - التي تسأل الفريقين:

إلامَ «الرقصُ» بينكمُ إلامَ؟

وهذي الضجّةُ الكُبرى عَلامَ؟

فلا الدولة استقرت.. ولا «الرقص» دامَ.

قديما قيل: إن شئت أن تطاع فاطلب ما يستطاع. والمستطاع في لبنان قليل جدا. مع ذلك، ومهما علا ضجيج الأوركسترا المنظمة لحفلات رقصة التانغو وصخبها، يبقى الأمل قائما بأن تكون حفلة الأمس «آخر تانغو.. في بيروت».