الحل النهائي!

TT

لم يكن المخرج الهوليوودي الفذ فرانسيس فورد كوبولا يحلم بإخراج مشهد كالذي حدث في مطار بيروت العامر منذ أيام.. مشهد يليق بثلاثيته ذائعة الصيت، «العراب» بأجزائه الثلاثة.

جميل السيد مدير الأمن السابق والمطلوب من القضاء اللبناني بتهمة تهديد رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، يهبط إلى مطار بيروت، وبسرعة تحيط به مجموعة من «القبضايات» المفتولي العضلات والمدججين بالسلاح، وسرعان ما يتبين أنهم من جماعة حزب الله (جماعة المقاومة ما غيرهم!)، وبعد أن يدلي بدلوه في مؤتمر صحافي سريع بالمطار ينطلق موكبه المؤمّن من حزب الله، الذي دخل إلى مدرجات المطار بسيارات سوداء مظللة بلا لوحات توضح هويتها، إلى داره المحاطة بالحراسة من قبل أفراد حزب الله.

حزب الله المشارك في الوزارة اللبنانية ينقلب على الدولة اللبنانية ويعلن هو كحزب وجميل السيد وميشال عون أنهم «مع العدالة والقضاء اللبناني»، ولكن «نطالب بتغيير المدعي العام»! قضاء يفصّل بالمقاس، منطق جديد وجميل.

لبنان تحول وبامتياز إلى ما يعرف في العلوم السياسية بالدولة الرخوة. والدولة الرخوة هي التي تفقد هيبتها وتصبح مؤسساتها بلا جدوى وبلا فاعلية ولا جدارة ولا احترام؛ فيشكك فيها القاصي والداني ولا يأبه بها أحد. الدولة الرخوة هي التي ينتشر فيها الفساد ويسود بها الاستبداد حتى يتحولا إلى حالة دائمة وعلامات طبيعية يتقبلها الكل بشكل سلس.

اللعبة التي يقدم عليها الأطراف الثلاثة، حزب الله وميشال عون وجميل السيد، الغرض منها إسقاط الدولة اللبنانية ومؤسساتها وإظهار أن قوة الشارع والبلطجة هي الأوقع، وتبا وسخطا للمؤسسات والقضاء والقانون. وبالنظر إلى تاريخ كل واحد من هذه المجموعات سنجد أن سجلاتهم مليئة بما يؤكد ذلك قولا وممارسة. حزب الله مارس اللعب خارج مؤسسات الدولة سنوات طويلة وبرع في إيجاد الطرق والوسائل لمراوغة القوانين حيال ضمه تحت لواء القانون والنظام. ميشال عون «أقام الدنيا» وخرج عن كل عرف وقانون وتسبب في حرب أهلية صغيرة لأجل نفسه وهواه حتى خرج منفيا قبل أن يعود «واحد تاني» قلبا وقالبا، والكل لليوم يحاول تفسير ما حدث له. أما جميل السيد الذي كان فزاعة الناس يحكم ويأمر و«يضبط» و«يخلص» بشتى الوسائل، وكان في لحظة من لحظات الزمن حاكم لبنان الفعلي لا راد لقراراته ولا نقاش في رغباته، بغض النظر عما إذا كان ذلك ضمن النظام والقانون. واليوم جميل السيد يستعمل لغة تهديدات صالحة لأزقة صقلية ومع رجالات المافيا فيها لا مع رجل دولة ونظام وقانون. الرجل بدلا من أن يلجأ للقضاء ويبرز حججه وبراهينه وشهوده وأدلته لجأ إلى حماية «القبضايات» في مشهد بائس وحزين من مشاهد لبنان البكائية.

إذا كان بلبنان هالقدر من الرجال والساسة غير المؤمنين بلبنان كهوية ولا بلبنان كجدارة سياسية ولا بلبنان كسيد وحر ومستقل، ولا بلبنان كدولة وككيان وكقانون وكنظام، فلماذا لا يحسمون النقطة الوحيدة المتبقية وهي أن «يسلموا» البلد فعلا ببابه ومفتاحه للشقيقة الكبرى سورية؟ وهذا اقتراح جدي للغاية ولا مزاح فيه، فيبدو أن لبنان دوما بحاجة لكي يكون بحماية «كبير» حتى يلم الصغار ويطفئ غضبهم ويهدئ اضطراباتهم، وهناك الكثير من عناصر التكامل بين البلدين والتناغم في أن تذوب الطوائف اللبنانية التي لم يعد من الممكن حصر عددها الآن في وعاء أكبر وفي وطن أعم هو سورية بما تحتويه من مؤسسات قائمة ووضع أمني مستقر. ولكن اللبنانيين سيصيحون ويقولون لا.. إننا لا نريد البعث ونرفضه. والرد سيكون: كم تبقى من البعث في سورية اليوم؟ البعث إلى انفراط كالديناصور، وسورية تدرك ذلك وسيكون مصيرها الانفتاح الاقتصادي والتنمية والتطوير لأنها لا يمكن أن تظل وحدها بعيدا عما يحدث حولها. والسوري، كرجل أعمال وتاجر ومقدام، تمكن من النجاح التجاري في كل المجالات حول العالم، وبالتالي يستطيع الإسهام في تغيير بلده. قد يكون ضم لبنان إلى سورية هو الحل النهائي والأخير الذي ينهي التهريج السياسي الذي يحدث على الساحة اللبنانية ويصور ويبث حول العالم ليضحك عليه الناس ليلا ونهارا. من العيب والمخزي أن يكون ثمن دماء الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم لأجل تحرير الأوطان أن يزج بأسمائهم في حماية مطلوب للعدالة. رجاء كفى متاجرة بالمقاومة!

[email protected]