مخالفة الجماعة

TT

ذكرني كلام المؤلف والسيناريست المصري وحيد حامد حول أسباب مرضه الأخير بقصة من التاريخ السعودي القريب.

وحيد حامد هو مؤلف مسلسل «الجماعة» الذي يتناول جماعة الإخوان المسلمين في مصر، ونعرف أن المسلسل هوجم قبل عرضه من قبل «إخوان مصر» وغيرهم، وجزء من هذا الهجوم بسبب كراهية كثير من «إخوان مصر» وحركييها الإسلاميين لوحيد حامد، وعلى الرغم من أن الهجوم خفت وتيرته بعد عرض المسلسل؛ إذ اتضح أن التوجس كان مبالغا فيه حتى إن البعض رأى في المسلسل خدمة لـ«الإخوان» أصلا! فإن «شيطنة» الرجل لم تتوقف، إلى درجة الدعاية الشعبية بطريقة بالغة الملامسة للحس الشعبي.

حامد عانى مؤخرا من آلام المرارة، فمن قائل إن ذلك عقوبة سماوية له بسبب تعرضه لمن لا يجوز له نقدهم! ومن قائل إن ألم المرارة أتاه بسبب الكم الهائل من الانتقادات التي تعرض لها.

كثرت التعليقات الساخرة من حامد ومرارته في المواقع المصرية، فسخر من ذلك حامد نفسه، مبينا أن هذه الآلام تعتاده منذ زمن بعيد عن المسلسل.

قصة حامد كما قلت، ذكرتني بما سبق أن قرأته، وسمعته، عن شيخ دين من أهالي مدينة بريدة، عاصمة منطقة القصيم التي تقع شمال وسط السعودية، حين تنامت المعارضة الدينية في بداية ستينات القرن الماضي ضد قرار تعليم البنات التعليم النظامي، بعد صدور «النطق الملكي» الذي أصدره الملك سعود بن عبد العزيز (ونشر في صحيفة «أم القرى» الجمعة 21 ربيع الثاني 1379هـ - 1959م) الذي يقضي بافتتاح مدارس لتعليم البنات في مدن المملكة الرئيسية.

قامت معارضة تستند إلى الحذر الديني والاجتماعي قادها بعض الوعاظ ورجال الدين وغيرهم ضد هذا القرار، ولكن في المقابل كان هناك من أيد القرار من الأهالي والفعاليات الدينية والاجتماعية، من هؤلاء المؤيدين بقوة لقرار تعليم البنات كان أحد شيوخ الدين وهو الشيخ «علي الحصين» وكان قويا في موقفه الداعم، وبعد عودته من الرياض أصيب في حادث سيارة أليم توفي بسببه بعد نحو أربع سنوات من صدور القرار الملكي بتعليم البنات، وراجت حينها مقولة بأن هذا الحادث عقوبة من الله له على موقفه الداعم لتعليم البنات! (القصة وكل تفاصيل ملحمة تعليم البنات في كتاب الباحث السعودي الدكتور عبد الله الوشمي: «فتنة القول بتعليم البنات»).

هذا النوع من الحملات «الشعبية» ما زال يمارس بشكل أو بآخر، في أكثر من مكان في العالم الإسلامي، حتى في عصر الإنترنت والـ«بلاك بيري»، وبصور متجددة ومختلفة، والغرض منها إحاطة هذا الداعي للتغير أو المخالف للمألوف بحزام من النيازك الحارقة، والهجوم عليه من زاوية العمل والبيت والشارع حتى يكف عن الاختلاف ويخضع «للجماعة»!

لكن التاريخ يخبرنا أنه لولا مخالفة المألوف لما تغيرت تصاريف الليل والنهار، ولما قامت حركات غيرت وجه التاريخ قام بها في الأساس أفراد خرجوا على المألوف وخالفوا السائد.

الاختلاف هو أساس الثراء والغنى المجتمعي والفكري، وليس التطابق المضجر.. تلك هي الفكرة.

[email protected]