هل صرنا عاجزين عن المنافسة؟

TT

تيانجين، الصين - زيارة الصين اليوم كأميركي تعني أن تقَارِن وأن تُقارَن. ومنذ بداية الجلسة الافتتاحية للمنتدى الاقتصادي للعام الحالي الذي يعقد في تيانجين، لم يتردد مضيفنا الصيني في القيام ببعض المقارنة. كما أذاع التلفزيون الصيني مسرحية هزلية قصيرة لأربعة أطفال - أحدهم يرتدي العلم الصيني، وآخر العلم الأميركي والثالث الهندي والرابع البرازيلي - يستعدون لخوص سباق في العدو، تبدأ المسرحية بأنتوني الذي يتباهى بأنه سيفوز لأنه دائما ما يفوز ولأن خطواته سريعة للغاية، لكن سرعان ما يسقط أنتوني مصابا بالشد العضلي. ويصيح الطفل الصيني «الآن هذه هي فرصتنا في التغلب عليه للمرة الأولى». ويسأل آخر «ماذا أصاب أنتوني؟» يقول طفل آخر: «لقد ازداد وزنه وأصبح ضعيفا. إنه يأكل الكثير من الهامبورغر».

هكذا ينظرون إلينا.

بالنسبة للزائر الأميركي تبدأ المقارنة منذ اللحظة التي يغادر فيها محطة جنوب بكين، المبنى الضخم لركوب القطار الطلقة إلى تيانجين، التي تستغرق الرحلة إليها نحو 25 دقيقة لقطع 75 ميلا. وفي تيانجين يصل المرء إلى محطة قطارات أخرى بالغة الحداثة - تختلف كثيرا عن محطة قطارات بنسلفانيا بمدينة نيويورك حيث تعمل كل السلالم المتحركة. ومن هناك تتوجه إلى مركز تيانجين ميجيانغ للمؤتمرات، المبنى البالغ الضخامة والشهير كما لو أنه أحد معالم واشنطن العاصمة، والذي يشكل معلما سياحيا. ويعلمنا المضيف أنه «بني في تسعة أشهر».

أعرف ذلك، فمع ما يكفي من العملة الرخيصة والعمال ورأس المال - والشمولية - يمكنك بناء أي شيء في تسعة أشهر، بيد أنه مع ذلك يجذب انتباهك. كان البعض من أصدقائي من الصينيين يعنفونني على المبالغة في مثالية الصين، كنت أرد عليهم بأنني «ربما أكون مذنبا كما اتهمتموني، لكني لست موهوما»، فأنا لا أمدح الصين لأنني أرغب في محاكاة نظامها، لكني أمدح الصين لأنني قلق بشأن نظام بلادي. وآمل أن يشعل محرك النمو الصيني القوي، محرك النمو الأميركي.

دراسة قدرة الصين على الاستثمار من أجل المستقبل لا تجعلني أشعر أننا نمتلك محركا خاطئا، لكنها تجعلني أشعر أننا أسأنا استغلال نظامنا الصحيح. فما من عائق يحول بين ديمقراطيتنا وتوليد هذا النوع من التركيز والشرعية والوحدة والالتزام بها لتحقيق تلك الأشياء - بصورة ديمقراطية - التي أنجزتها الصين الاستبدادية. لقد قمنا بذلك من قبل. لكننا لن نقوم بذلك الآن لأن الكثير من استطلاعات الرأي الموجهة، لأغراض حزبية والقنوات التلفزيونية والطبقة السياسية التي أفسدها المال أكثر اهتماما بما يبقيها في السلطة عما يمكن أن يعيد أميركا إلى سابق عهدها من القوة، وأكثر اهتماما بهزيمة بعضهم البعض من إنقاذ البلاد.

سألني أحد أصحاب الشركات الهنود المشاركين في المنتدى عن الصين بالقول «كيف يمكنك المنافسة مع دولة تدار كشركة؟»، ثم أجاب عن سؤاله هو بالقول: «كي تتمكن الديمقراطية من أن تكون فاعلة وتقدم السياسات والبنية التحتية تحتاج مجتمعاتنا من المراكز السياسية أن تكون أكثر تركيزا ووحدة ونشاطا. وهو ما يعني انتخاب مرشحين قادرين على القيام بما هو صائب بالنسبة للدولة لا لآيديولوجيات من يمنحونهم مالا أكثر. يتطلب الأمر من الديمقراطيات التي تواجه مشكلات كبرى - كتلك التي نواجهها في الوقت الحالي - جذب الكثير من الأفراد في ذات الاتجاه، وهذا ما ينقصنا تحديدا.

وقال صديقي الهندي: «نحن غير مستعدين للاعتماد على أنفسنا، لذا نحن ننتظر أن يفشلوا كي نلوم ضعفهم».

فهل سيفشلون؟ النظام الصيني نظام شمولي، يموج بالفساد وعلى خلاف مع اقتصاد المعرفة الذي يتطلب حرية. بيد أن الصين تتمتع أيضا بتبديل منتظم لمواقع السلطة وسجل قوي في الاعتماد على الكفاءة، وهو ما يتسم به كبار المسؤولين فيها، فيكفي الاستماع إلى رئيس الوزراء الصيني ون جياباو وهو يتحدث عن إحصاءات النمو في خطابه هنا والتي تعطيك إحساسا بتقارير أرباح الشركات. لكنه مع ذلك قدم خططا تفصيلية لتحسين أوضاع الصينيين من الجامعات إلى الطرق السريعة وهو يعرضها عليهم.

وقد شرح لي أورفيل شيل، من منظمة «آسيا سوسايتي»، أفضل منظمة مراقبة لآسيا في الولايات المتحدة، الذي كان حاضرا معي في تيانجين، الأمر بصورة تامة، فقال لي: «لأننا بدأنا نجد أنفسنا مؤخرا غير قادرين على إنجاز هذه الأشياء الضخمة، بدأنا ننظر بنوع من المثالية المبالغ فيها لكل ما يأتي من الصين. فننظر إلى ما تمكنوا من تحقيقه ونتحسر على الأشياء التي لم نتمكن من تحقيقها والتي نفتقدها في أنفسنا، والمتمثلة في «قادرون على ذلك» و«إنجاز ذلك»، و«توحيد الأمة» و«مهما تطلب الأمر»، وهو التوجه الذي بنى طرقنا السريعة والسدود وصعد بأول رجل على سطح القمر.

وقال شيل «كانت تلك سمة مميزة لثقافة طفولتنا، لكننا الآن ننظر إلى بلدنا وهو يتحول إلى العكس، على الرغم من أننا نرى الصين تدار من قبل نفس نوعية الطاقات. أنا لا أضفي المثالية على النظام الصيني، فأنا لا أرغب أن أعيش في ظل نظام شمولي، لكني أحس بنفسي مجبرا على النظر إلى الصين بصورة موضوعية والاعتراف بالنجاح الذي حققه ذلك النظام. وهذا لا يعني أنني أرغب في أن نصبح مثل الصين، إنما أعني معايشة التحدي الذي نواجهه الآن والبحث عن سبل للتعاون مع الصين، ويقول شيل: «هذا الشعور الرجعي بأننا لا نزال الدولة الأولى في العالم بدون منازع خطير للغاية».

* خدمة «نيويورك تايمز»