مور مع بناء المسجد!

TT

«كنت سألتكم أن تتبرعوا بدولار أو خمسة أو عشرة دولارات (لمشروع مسجد قرطبة الإسلامي في مانهاتن)، كعمل رمزي ضد العنصرية ضد المسلمين الأميركيين. وحتى أساعد على إطلاق الحملة تعهدت أن أتبرع بدولار مقاب كل دولار تتبرعون به، إلى عشرة آلاف دولار، وكان املي أن نجمع هذا المبلغ في خلال أسبوع. لكن هذا لم يحدث، إذ خلال ساعات من ارسال رسالتي لكم على مدونتي الإلكترونية يوم السبت، آلاف الناس تفاعلوا، وقد جمعنا أكثر من العشرة آلاف التي كنا نأمل بها... وهذا الصباح تجاوزت التبرعات الخمسين ألف دولار».

كان هذا ما كتبه المخرج السينمائي والناشط المعروف مايكل مور على موقعه، معبرا عن تضامنه مع المسلمين في الولايات المتحدة ضد المتطرفين والعنصريين. وقد وجدت أن الكثيرين من عامة الناس تضامنوا معه. وهذه نماذج من الردود المنشورة على موقع المخرج مور:

- مايكل، ها هو تبرعي، أنا أتبع الكنيسة (البريسبتيرينية)، وقد فقدت صديقا لي في الطائرة (المخطوفة) التي تحطمت بالقرب من بتسبرغ في 11 سبتمبر (أيلول). من كارول سميث.

- مايكل، ها هي خمسة دولارات مني تبرعا. ومع أنني على وشك أن أخسر منزلي فإنني لا أقبل أن أخسر روحي، تبرعت دون أن أفكر في الأمر مرتين، فشكرا لك على تبرعك أيضا. من إيد بي.

- من الحاخام جيرشوم: أنا يهودي، وها هو تبرعي بـ18 دولارا، عني وعن زوجتي.

- من كاتي يونغ: أريدك أن تعلم أن هذه المرة الأولى التي أعطي فيها تبرعا.

- من ترينت وودروف: أولا لا بد أن أقول إنني لست من معجبيك، وأرى أسلوبك منفرا... ورغم كل ذلك أتفق معك هذه المرة.

التعليقات أعلاه لا تحتاج إلى تفسير أو جدل، توجز ما يعجز بعضنا عن فهمه، وما لا يريد بعضنا فهمه، وهو أنه ليس صحيحا أن ما نراه على الطرف الآخر سيئ دائما، أو سيئ بمجمله، أو أن العالم كما يزعم أسامة بن لادن مقسوم إلى فسطاطَين: هم ونحن.

المخرج والناشط مور صاحب موقف سياسي وأخلاقي، يحارب عن أفكاره بكل ما يملك، يريد الدفاع عن الحقوق الفردية، والدفاع عن الحقوق المدنية للجماعات، ومع أنه ليس مسلما ولا عربيا، وقد لا يتفق مع طروحات هذه الجالية المسلمة في بلاده، إلا أنه يريد الدفاع عن حقها في وجودها بما يعنيه هذا الوجود فكرا وعملا وتعبيرا.

وأنا لا أورد هذه القصة لأقول لكم إن الذين يريدون بناء مسجدهم على حق، بل رأيي عكس ذلك، لكن يهمني أن أستعرض نموذجا أهم، هو كيف يمكن للفرد أن يقف موقفا أخلاقيا عن قناعة، لا من قبيل مساندة جماعته والتحزب لطائفته. رأيي أن بناء المسجد حق طبيعي، لكنه في هذا المكان تحديدا فيه جرح لشعور الكثيرين من أهالي الضحايا وأبناء وطنهم، حيث قُتل ثلاثة آلاف أميركي على أيدي 19 مسلما، أذاعت «القاعدة» وصاياهم وتسجيلاتهم المصورة، وهللت لجريمتهم الجماعات الإسلامية المتطرفة. مور وأصدقاؤه يقولون عكس ذلك، إن بناء المسجد حق قانوني لا يجوز منعه. أعني أننا نطرح رأيين مختلفين تماما بمنطقين مختلفين، لكن المبدأ واحد. السؤال: لماذا لا نتعلم أن نقف حيثما نريد ومن دون تخوين أو تكفير، وأن نتبنى موقفا مخالفا عندما نشعر أن هناك ظلما أو اختلافا في حق جماعة تبحث عن حقها؟

ما فعله مور قوبل بالتأييد من كثير من الناس الذين أيدوا المسلمين ماديا وأدبيا، مع أنه موقف يخالف رأي نحو سبعين في المائة من عامة الأميركيين، ولم يبالوا أن يقفوا ضد التيار. هذا جمال الاختلاف الذي لا تسمح به ثقافتنا هنا، ولا يحترمه حتى بعض المثقفين الذي يصوبون عليك نار الاتهامات، فقط لأنك لا تتفق معهم!

[email protected]