مسلسل «نجاد في الجمعية العامة»!

TT

من يدري.. فقد يتحول إلى مسلسل أو فيلم سينمائي كوميدي بعنوان: «نجاد في الجمعية العامة»، مثل الأفلام الكوميدية التي مثلها إسماعيل ياسين «إسماعيل ياسين في الجيش»، أو فيلم سميرة توفيق «بدوية في باريس»، أو فيلم الكوميدي محمد هنيدي «همام في أمستردام»، ومسرحيتي الممثل الكويتي عبد العزيز المسلم «عبيد في التجنيد» و«هالو بانكوك»؟!

فالرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يحرص على حضور كل دورة سنوية للجمعية العامة بالأمم المتحدة التي تعقد كل خريف في عقر دار «الشيطان الأكبر» بنيويورك، والرئيس الإيراني كثير السفر إلى دول كثيرة تتفاوت في أهميتها، لكنها دول في الغالب ليس لها أهمية سياسية. وفي كل مرة يرتحل الرئيس الإيراني تصوره وسائل الإعلام الإيرانية كزعيم عالمي وقائد تاريخي. لكن زيارته نيويورك ذات طعم خاص، ولها نكهة متميزة، فهو يعلم أن الإعلام العالمي يغطي الدورة السنوية للجمعية العامة، ولذلك فهو يحرص على حضورها وتقديمها على التزاماته كافة، لأن الإعلام العالمي موجود بكثافة ليغطي الدورة التي هي في الغالب خطب قادة في دول العالم أشبه ما تكون بـ«دواء جمعة» - كما في المثل الخليجي - لا ينفع ولا يضر.

والحضور هناك مناسبة لعروض مسرحية سياسية أشهرها تلك التي قام فيها الزعيم السوفياتي خروتشوف بوضع حذائه على طاولة مجلس الأمن، وخطب كاسترو، ومن بعده شافيز، الثورية، وخطابات الزعيم القذافي التنظيرية الطويلة.

طبعا - لزوم الحبكة - تحضر شعارات القضية الفلسطينية مع الرئيس الإيراني في كل مرة، ويعمد الرئيس نجاد في كل مرة أن يطلق قنبلة سياسية، فمرة إيران دولة ديمقراطية، وأخرى ليس في إيران مساجين رأي، وتارة لا يوجد شذوذ جنسي في إيران، وغيرها. لكنه الأسبوع الماضي صرح بأنه لم يعد هناك قوة عظمى في العالم سوى إيران والولايات المتحدة! ولا أدري أين الصين والهند وبريطانيا وفرنسا، بل وحتى روسيا التي يشتري منها التكنولوجيا النووية والسلاح؟! بل كيف له أن ينسى الجماهيرية الليبية الشعبية الاشتراكية الديمقراطية العظمى؟!

يطلق السيد نجاد هذه التصريحات مع علمه بعدم صحتها، لكنه يطلقها للاستهلاك المحلي الإيراني، لأن مثل هذه التصريحات تجد من البسطاء المغلوبين على أمرهم من يصدقها ويعجب بها. ومما قاله السيد نجاد أن إطلاق سراح المعتقلة سارة شرود «بادرة حسن نية إنسانية»، لكنه لم يشرح لماذا اعتقلت أكثر من سنة في حبس انفرادي دون توجيه تهمة لها، ولا أين الإنسانية في استمرار اعتقال خطيبها وزميله دون توجيه تهم لهما أيضا، وغياب الإنسانية عن آلاف الإيرانيين الشباب في السجون الإيرانية!

مشهد مشاركة السيد نجاد لا يكتمل دون مشادة مع الطرف الأميركي - «أيضا لزوم الحبكة» - مشهد تكرر عربيا سنين طويلة: «صدام اسمك هز أميركا». فرشقته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون برشقات حول الديمقراطية والتغيير في إيران، وهي مسألة لا تخصها، بل تخص الشعب الإيراني وحده ولا أحد غيره - يعني بالشعبي «مو شغلها» أصلا!

عظمة الدول في عالم اليوم لا تقاس بعدد الجنود والبنادق فحسب، ولكن مقاييسها تتعدى ذلك إلى نوعية التعليم والجامعات ومراكز البحث ومتوسط الأعمار ونسب الأمية والخدمات الصحية ونسب وفيات الأطفال ومستويات الرفاهية ومحاربة الفقر والتخلف والمخدرات ودرجة الشفافية وحرية التعبير والإعلام وحقوق المرأة والديمقراطية وحقوق الإنسان ونظام المرور واستقلالية وعدالة النظام القضائي. والحق أن أميركا وفق هذه المعايير، ليست بجنة الله على الأرض، لكن مقارنة إيران بها نوع من العبط السياسي الذي لا يطلقه سوى جهلة السياسة ومروجي الوهم.

وإلى اللقاء في الحلقة القادمة من مسلسل «نجاد في الجمعية العامة»!